لم يكن من المفترض أن تبدو «العلاقة الخاصة» على هذا النحو. فعلى ضفتي الأطلسي، مُنيت كلتا الحكومتين الأميركية والبريطانية بالشلل. وفي واشنطن، أدى طلب الرئيس ترامب الحصول على تمويل لجداره الحدودي إلى أطول إغلاق للحكومة الفيدرالية في التاريخ الأميركي. وفي لندن تتشبث رئيسة الوزراء «تيريزا ماي» بالسلطة حتى بعد أن مُني اتفاقها للخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكسيت» بهزيمة تاريخية في البرلمان خلال الأسبوع الماضي.
وفي هذه الأثناء، يتفاقم الشعور بالأزمة؛ فقوات الأمن المعنية بحماية المياه والموانئ الأميركية تعمل دون الحصول على رواتب. وفي ظل توقع خروج كارثي وشيك لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي، «من دون اتفاق»، قالت حكومة «ماي» إنها ستجري تعبئة لقوات الاحتياط في الجيش للمساعدة في التعامل مع الاضطرابات غير المتوقعة جراء الانفصال عن الاتحاد.
وتتعرض المجريات الديمقراطية لضغوط شديدة؛ فرئيسة مجلس النواب الأميركي «نانسي بيلوسي» سعت لتأجيل خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي يفترض أن يدلي به ترامب، فيما ردّ ترامب بتعطيل رحلتها مع مشرّعين إلى أفغانستان، حيث كان مقرراً أن تزور مع وفد حزبي القوات الأميركية هناك.
وفي بريطانيا، يهدد المضي قدماً بمزيد من الاضطراب والكراهية. وأدت ضرورة الالتزام بنتائج الاستفتاء على «بريكسيت» (2016)، إلى أزمة دستورية تدخل عامها الثالث، وقد تفضي إلى تفكك «حزب المحافظين» بقيادة «ماي».
ولدى الأغلبية في كلا البلدين مشاعر واضحة: فمعظم الأميركيين يعارضون إغلاق الحكومة، ومعظم البريطانيين لا يريدون مغادرة الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق. لكن القومية المقيتة لبعض الناخبين دفعت كلا البلدين إلى ذلك المنحدر. وقرار ترامب بالامتثال لقاعدة ناخبيه اليمينيين دفعته إلى حافة هذا الجرف السياسي. ومن جانبها، لا تدعو «ماي» ولا كبير معارضيها «جيرمي كوربن» (زعيم حزب العمال)، إلى الخيار الذي يعتقد كثيرون أنه الأكثر منطقية، وهو إجراء استفتاء ثان، خشية ردود فعل غاضبة من أنصار «بريكسيت».
وكتب كل من «إلين باري» و«مارك لاندلر» من «نيويورك تايمز» يوم السبت الماضي، «قلما بدت السياسة البريطانية والأميركية متزامنتين بهذه الدرجة الكبيرة كما هي الحال في مطلع عام 2019، بعد ثلاث سنوات من انتصار مؤيدي بريكسيت وفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، ما أدى إلى تراجع النخب السياسية في كلا البلدين».
ويقول «مايكل ليند»، مؤلف كتاب «أرض الوعد.. التاريخ الاقتصادي للولايات المتحدة»: «إن الشعب في هذه المناطق قرر فحسب أنه لن يمنح النخب في كل من لندن وواشنطن مزيداً من الوقت».
لكن أصبح واضحاً بدرجة مؤلمة أنه لا «بريكسيت» ولا ترامب سيخففان من تلك الآلام الاقتصادية. فالحروب التجارية الأميركية والتخفيضات الضريبية قد أضرت بأولئك الذين حصلوا على وعد بتحسين أحوالهم المعيشية.
وقد ولدت فكرة «بريكسيت» من رحم أوهام سياسية، وبرهنت السنوات التالية للاستفتاء أنه لا إمكانية لانفصال سهل عن الاتحاد الأوروبي، وأن الحياة خارج التكتل القاري قد تكون أشد قتامة مما كان متصوراً.
وفي إحدى دور البلدية على الجانب الآخر من القنال الإنجليزي، أعلن الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» صراحة «أنه تم ترويج أكذوبة للشعب البريطاني».
ويرى آخرون «مؤامرة أوسع».. تظهر فيها ظلال الكريملين. والجمود السياسي في بريطانيا وأميركا يعزز حالة الازدهار الاستراتيجي لبوتين ورؤيته لـ«روسيا المنتقمة»، حسبما يرى الكاتب «جيمس هومان» في مقال نشرته صحيفة «202» اليومية.

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»