يعكس مفهوم «الأخونة» رغبة جماعة «الإخوان» في الهيمنة المطلقة والمنفردة على شؤون الحكم والدولة والمجتمع. فبعد أن رفعت الجماعة طويلاً شعار «مشاركة لا مغالبة» استغلت الظروف التي سادت عقب ثورة يناير لاقتناص السلطتين التنفيذية والتشريعية، وسعت إلى السيطرة على الجهاز الإداري والخدمي للدولة، خاصة الجيش والشرطة والقضاء، وغيرها، وهو أمر لجأت إليه تاريخياً نظم الحكم الفاشية بأحزابها العقائدية أحادية الرؤية والتفكير، وذلك في وقت كان «الإخوان» يتحدثون فيه طويلاً عن الديمقراطية، مع أنها تعرف قيمة التعددية والتنوع فتحرص دائماً على حياد ومهنية الجهاز الإداري للدولة، وتضمن لجميع المواطنين حرية وحق الالتحاق به والارتقاء في سلمه الوظيفي، وفقاً لمعايير الكفاءة المهنية أو العلمية وحدها، من دون تفرقة أو تمييز.
أما الهيمنة على المجتمع فكانت واضحة في تصورات «الإخوان» التي رمت إلى فرض نمط قيمي وسلوكي يتماشى مع أيديولوجية الجماعة. وفي الثقافة سعت الجماعة إلى وضع يدها على مصادر الثقافة الرسمية ومنابتها، وإلغاء ذاكرة التنوير والنهضة والحداثة في مصر وتونس واليمن، وأسر الحرية التي طالما سعت إليها شعوب هذه الدول منذ مطلع القرن العشرين، وذلك عبر الشروع بحملة شاملة للتخلص من المثقفين التنويرين الذين كانوا يتولون قيادة المؤسسات الثقافية.
وقد رأى بعض من لا يعرفون فكر «الإخوان» وتاريخ ممارساتهم جيداً أن من حق الجماعة، طالما حازت السلطة أن تضع رجالها في كل المناصب، لكن هؤلاء نسوا أو تناسوا حقائق عدة، أولها أن «الإخوان» ليسوا حزباً سياسياً بالمعنى المتعارف عليه، إنما جماعة عقائدية، تستغل الإسلام بعد أن حولته إلى أيديولوجيا، والدليل على ذلك أن «الإخوان» رفضوا حل جماعتهم، وحولوا حزب «الحرية والعدالة» الذي أطلقوه بعد ثورة يناير المصرية إلى مجرد إصبع صغير أو زائدة دودية في جسد الجماعة، التي تمارس السياسة بمنطلقات دينية مختلف عليها، بل مغلوطة، ويراها كثير من علماء الأزهر الشريف مخالفة للإسلام. وثاني هذه الاعتبارات أن جماعة «الإخوان» لم تكن تملك الكفاءات القادرة على إدارة الدولة في مصر أو تونس أو اليمن، وبوضعها عناصرها في مصر على رأس المؤسسات الرسمية فإنها تكون قد سعت في اتجاه يضر بالمصلحة العامة.
أما الاعتبار الثالث فإن جماعة «الإخوان» لم تقصد بالأخونة تنفيذ برنامج سياسي معلن أمام الشعب، من حقه أن يرفضه أو يختلف معه وينقده، إنما، وحسب زعمها، عملت على تطبيق منهج الله في الأرض، وهي مسألة طالما أتت كتابات «الإخوان» وتصريحات قادتها على ذكرها. وهذا يعني أن «الأخونة»، لاسيما في شقها الفكري والثقافي، ليست قابلة للمراجعة، وأن الجماعة لن تعدل عنها حال رفض الشعب لها، أو حتى رغبته في تهذيبها وتعديلها وتقييمها. والاعتبار الرابع أن مشروع «الأخونة» لن يوضع في يد مؤسسات الدولة الرسمية الطبيعية المتعارف عليها، إنما هو بيد المرشد ومكتب الإرشاد الذي يمثل سلطة فوق الجميع، وهي مسألة تبينت بجلاء خلال السنة التي حكم فيها محمد مرسي، وثبت للجميع أنه ليس أكثر من ممثل مكتب الإرشاد في حكم مصر.
والاعتبار الخامس أن جماعة «الإخوان» لم تطرح تصورها عن «الأخونة» للنقاش العام، وحاولت تنفيذه عبر التعاون المؤقت والمتحايل مع جماعات وتنظيمات متطرفة استعملتها ظهيراً لها لفرض تصورها هذا عنوة على الشعب في مصر، وعبر شركاء مدنيين في تونس تعاملت معهم على أنهم مجرد ألعوبة في يدها.
إن علاقة القرابة والمصاهرة تلعب دوراً في الحراك الاجتماعي في أي مجتمعات بشرية بدرجة ما، وربما تصبح في بعض الأحيان طريقاً لتولي المناصب والمواقع القيادية، لكن بالقطع ليس بالإفراط الذي كان عليه «الإخوان» وقت أن آلت إليهم السلطة في مصر، وقد يرجع ذلك إلى أنهم جميعا متشابكون في «نسب» لا يكاد ينتهي، ولذا نجد أن تأثير هذه العلاقة على توليهم المناصب مضاعف ومغلظ قياساً إلي غيرهم، لاسيما بعد انحيازهم إلى «أصحاب الثقة» من بين «الأهل والعشيرة» على حساب «أهل الخبرة» في سياق ما كانوا يعتقدون أنها «فرصة التمكين» من ناحية، ونظراً لهواجسهم المرضية حيال «الأغيار» أو «المختلفين» معهم فكرياً أو سياسياً من ناحية ثانية.
في خاتمة المطاف، فإن «الإخوان» قد أخفقوا في تنفيذ مخطط الأخونة، سواء في مصر أو تونس، نظراً لمقاومة مؤسسات الدولة والمجتمع وجماعات المثقفين لهم، فضلاً عن عدم امتلاك الجماعة أي تصورات استراتيجية واضحة تمكنها من تمرير وترسيخ ما كانت تنوي القيام به، وأيضا عدم امتلاكها الكفاءات البشرية التي تكفي للسيطرة التامة على مفاصل الدولة، وافتقارها إلى إنتاج الأفكار المبدعة المرنة التي تتعامل بكفاءة مع مستجدات العصر، في ظل افتقادها ثقافة الحوار والاختلاف والإبداع، وحرصها على أن يصبح كل أعضائها نمطاً واحداً من البشر.