ثمة دخان من الارتياب والاستنكار يلف قضية التعنيف الأسري، وهنا نقوم بوقفة مع هذه القضية الساخنة في مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر».
يؤخذ أولاً على بعض المطالِبات بحقوقهنّ نبرتهنّ العدائية. ورغم أنّ العدائية منفّرة، فإن الفظاظة سمة من سمات التواصل الافتراضي، كما لا يجب توقّع الهدوء ممن يعيش في جوٍّ مضطرب، خصوصاً إذا كان لا يُحسن الكتابة المنمّقة التي تنساب إلى القلوب كالقصائد.
ويطعن بعضهم في مصداقية المطالِبات بحقوقهنّ لأنهن غالباً يحجبن هوياتهن، من دون أن يلتفت هؤلاء إلى أنهن يعانين من داخل الأسرة نفسها، وظهورهن الصريح يفاقم أوضاعهن، فيهربن إلى أي وسيلة توفر الستر على أسرهن والتستر على أنفسهن. كما أن إنكار ما يتعرضن له، واستنكار بحثهن عن حل، يعقّدان فهم معاناتهن، ما يجعل الإعلام ينأى بنفسه عنهن، ليشعرن بأنه ليس ثمة مَن يهتم لأمرهن.
ويعتقد بعضهم أنّ بروز المرأة الخليجية ردّ عملي على هذه الفئة، لكن الحقيقة أن المرأة لن تتقدم من دون دعم أسرتها حتى ولو كانت الظروف الخارجية مهيأة لتمكينها. وأحياناً تكون رفاهية الفتاة تكذيبٌ في نظر الآخرين لادّعاءاتها بالتضييق، كأنّه لا يمكن أن يكون السجن من خمسة نجوم. وبعضهم يفسّر التعنيف بالضرب، والواقع أنّ «التعنيف» وصف شاعَ لحالِ مَن يُضيَّق عليها بالضرب أو بالتهديد أو بالمساومة.
كما أنّ الزخم الإعلامي العالمي الذي يواكب في العادة هروب أي فتاة، ودخول بعض المنظمات المسيّسة على خطّ المسألة، وكذلك بعض الحكومات التي فعلت ذلك من باب المكايدة على المسرح الدولي أو الاستغلال على الساحة الداخلية، أشاع الريبة في هذا الملف. وفعلاً فإن قصص الهروب مريبة، لكن الاستغلال واردٌ في أي قضية. وفضلاً عن أن الهروب من الأسرة يحدث في كل بقاع العالم، فإن قصص هروب الخليجيات التي خلّفت ضجة نادرة.
وممّا ساهم في عدم تقبّل بعضهم لمطالبات هذه الفئة، أنّها تُطرح أحياناً بشكل يمسّ بقيم المجتمع، فاستحالت المطالب كأنها في سياق الانفلات من القيم، وليس باعتبارها حقوقاً لأي إنسان. وفضلاً عن أن القضية قد تكون محقة أو غير محقة بذاتها، فإن موجات التمرّد على القيم اشتدت مع ظهور مواقع التواصل، وقبل أن تظهر قضايا التعنيف على السطح. ولا يعني هذا أنّ كل من يطرح هذه القضية إنما ينشد استقرار المجتمع من خلال أسر لا يشعر أفرادها بالقهر والغبن، فهناك من ينبذون الأسرة تماماً، ويتخذون التعنيف سبيلاً لترويج الكراهية لفكرة الأسرة.
ويضاف إلى ذلك أنّ الطرف الذي يشكو غير ملمٍّ في الغالب بالقوانين ذات الصلة بما يشكو منه، لتكون مطالبه واقعية غير غوغائية، والطرف الذي ينكر عليه غير عارف هو الآخر بالقوانين، وإنما ينكر بجهل. كما أن بعض تلك المطالب لا تنظّمها القوانين أساساً، كما في حقّ الدراسة الجامعية، وهذا يجعل الجدال محتدماً بين الأطراف استناداً إلى القيل والقال.
وإذا كان الهمّ مشتركاً بين أفراد هذه الفئة، فإن مطالبات شتى بين دعوات متطرفة وشاذة، وأخرى تطلب الحق في الدراسة والعمل والتنقل والزواج، وهي حقوق مكفولة بالقوانين، لكن بالنسبة للأنثى، يمكن لأسرتها التلاعب بها ومساومتها عليها.