نجحت واشنطن أخيراً في بلورة اصطفاف أوروبي خلفها ضد إيران في مواجهة خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو السبت الماضي اختبار طهران صاروخ باليستي متوسط المدى قادر على حمل رؤوس متعددة، واعتبر هذه الإجراء بمثابة خرق لقرار مجلس الأمن 2231 ودعت وزارة الخارجية الفرنسية إيران إلى الوقف الفوري لجميع أنشطتها المتعلقة بالصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، واعتبر وزير الخارجية البريطاني «جيريمي هانت» التجارب الصاروخية الإيرانية بأنها «استفزازية وذات طبيعة تهديدية ومناقضة» للقرار الأممي، وقال إن بريطانيا مصممة على أنها «يجب أن تتوقف». ومن ناحية أخرى أقر الاتحاد الأوروبي عقوبات على أجهزة الاستخبارات الإيرانية، وذلك بعد اتهام إيران بالضلوع في محاولات وعمليات اغتيال لمعارضين إيرانيين في هولندا والدانمارك وفرنسا. فإلى أين تتجه العلاقات الإيرانية- الأوروبية على ضوء هذه التطورات؟ وهل يمكن الحديث عن توافق أميركي – أوروبي من أجل تشكيل تحالف دولي لمواجهة التهديد الإيراني والأهم من ذلك هل تنسف الصواريخ الإيرانية الاتفاق النووي مع أوروبا؟
على الرغم من أن الأوروبيين من شركاء إيران الموقعين على الاتفاق النووي عام 2015 (بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى روسيا والصين) متمسكين بهذه الصفقة التي انسحبت منها الولايات المتحدة الأميركية في 8 مايو 2018 إلا أن إيران مستمرة في إعطاء الذرائع لتقوية الحجة الأميركية لاستقطاب شركاء طهران الأوروبيين الذين يتمسكون بالاتفاق النووي، ولكنهم يشاطرون واشنطن مخاوفها حيال برنامج طهران الصاروخي وسلوكها الإقليمي، حيث تطالب الولايات المتحدة مرة أخرى بعودة نظام العقوبات ضد برنامج الصواريخ الإيراني، وتستند في ذلك إلى قرار مجلس الأمن رقم 2231 الصادر في 20 يوليو 2015 للمصادقة على الاتفاق النووي، ولكن القرار وعلى وجه الدقة، لا يحظر على إيران، صراحة، أي شيء في مجال تطوير الصواريخ ففي الملحق (ب) الفقرة رقم 3 «إيران مدعوّة إلى عدم القيام بأية نشاطات متّصلة بالصواريخ الباليستيّة المصممة لكي تكون قادرة على حمل رؤوس نووية بما في ذلك وسائل الإطلاق كتكنولوجيا الصواريخ الباليستيّة، حتى مرور 8 سنوات على تبنّي الاتفاق النووي أو حتى اليوم الذي تقدم فيه الوكالة الدولية للطاقة الذريّة تقريراً تؤكّد فيه الاستنتاج الأوسع إذا تم ذلك قبل الحالة الأولى». ولكن تلك الفقرة غير ملزمة وهي تقوم على«دعوة» ولا يترتب على خرقها تبعات قانونية، كما أن القرار لا يحتوي على تعريف دقيق لهذه الصواريخ، ما يترك مجالاً واسعاً للتفسير في كلا الاتجاهين. وبالطبع، تستغل إيران هذا المجال لمصلحتها، معتبرة أن الاختبارات يتم تنفيذها في إطار المهام المسموح بها للدفاع، ولا تتناقض مع الاتفاق النووي، فطهران لم تؤكد ولم تنف أنها أجرت تجربة لصاروخ جديد لكنها أعلنت أنها ستواصل التجارب الصاروخية لتعزيز دفاعاتها.
اليوم تبدو الصورة مغايرة لأوروبا على الرغم من أن الموقف الأوروبي تجاه الاتفاق النووي ما زال ملتبساً، فبعد بروز التهديد الإيراني الباليستي وزعزعة السياسات الإيرانية للاستقرار الإقليمي والدولي، كل ذلك سيؤدي إلى تجاوز التمايزات بين المواقف الأوروبية والموقف الأميركي تجاه إيران وإلى التشدد في احتواء إيران لتفادي مخاطر إضافية، إذ بدء ظهور تحول أوروبي في الموقف من إيران، حيث أعلن وزير الخارجية الأميركي مارك بومبيو، أن الولايات المتحدة تخطط لتنظيم قمة دولية حول إيران والشرق الأوسط في بولندا يومي 13 و14 فبراير القادم في بولندا، مما قد يمهد لموقف أوروبي يقترب من الاستراتيجية الأميركية الطامحة لتشكيل حلف إقليمي - دولي في مواجهة التهديدات الإيرانية للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.