في السادس من شهر يناير الجاري، أعلنت إدارة المشروع الإماراتي لمساعدة باكستان عن نتائج حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال، التي نفذت بجمهورية باكستان الإسلامية خلال الفترة من عام 2014 ولغاية نهاية عام 2018، وقد تجسدت تلك النتائج في مجملها في توفير أكثر من 371 مليون جرعة تطعيم ضد مرض شلل الأطفال، لأكثر من 57 مليون طفل باكستاني.
وتأتت حملة الإمارات للتطعيم ضد شلل الأطفال ضمن المشروع الإماراتي لمساعدة باكستان، تنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، وبدعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، وبمتابعة من سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير شؤون الرئاسة، بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، ودعم القطاع الصحي، وتعزيز برامجه الوقائية بجمهورية باكستان الإسلامية.
وشلل الأطفال هو مرض فيروسي سريع وشديد العدوى، اسمه بالإنجليزية (Poliomyelitis)، وقد تمت ترجمته إلى اللغة العربية منذ عقود طويلة بهذا المصطلح (شلل الأطفال)، حيث غالباً ما يصيب الأطفال دون سن الخامسة، وإن كانت هذه الترجمة خاطئة، حيث يمكن للعدوى بالفيروس أن تصيب من لم يتلقوا التطعيم في طفولتهم، وبغض النظر عن أعمارهم. وتتشابه أعراض العدوى بفيروس شلل الأطفال، مع أعراض العديد من الأمراض الفيروسية الأخرى، مثل الحمى، والشعور بالإرهاق، والصداع، والقيء، والإحساس بآلام في العضلات، مع تصلب عضلات الرقبة، ويمكن لهذا الفيروس، أن يتسبب في الشلل في غضون ساعات قليلة، لكونه يستهدف الجهاز العصبي المركزي مباشرة. وفي نصف في المئة من حالات العدوى، يصبح هذا الشلل دائماً، ويلقى ما بين 5 و10 في المئة ممن يتعرضون له حتفهم، اختناقاً، بسبب الشلل التام لعضلات التنفس.
وقبل وقت ليس بالبعيد، وبالتحديد قبل ثلاثة عقود مضت، كان الفيروس يتسبب سنوياً في شلل 350 ألف طفل سنوياً، أو أربعين طفل كل ساعة، على مدار الأربع وعشرين ساعة، يوماً بعد آخر، في أكثر من 125 دولة. لكن الآن، وضمن واحدة من أعظم قصص نجاح الجهود الدولية، على صعيد قضايا الصحة العامة العالمية، تم العام الماضي تسجيل أقل من 30 حالة إصابة جديدة، وفي دولتين فقط، هما باكستان وأفغانستان. مما يجعل هاتين الدولتين الجبهتين الأخيرتين في حرب ضروس، بدأت رحاها منذ وطأت قدم الإنسان سطح هذا الكوكب، واستمرت لآلاف السنين، وكانت الغلبة فيها دائماً لهذا المرض اللعين.
إلا أن تاريخ شلل الأطفال تغير اتجاه رياحه عام 1952 مع نجاح العالم الأميركي «جوناس سولك»، في تطوير تطعيم فعال ضد هذا الفيروس المميت أحياناً. فمن خلال تعميم استخدام هذا التطعيم المعتمد على فيروس مُضعّف، ومن بعده تعميم استخدام التطعيم عن طريق الفم وقد طوّره عالم أميركي آخر بولندي الأصل هو «آلبرت سابين»، مع بداية عقد الستينيات من القرن الماضي.. أصبح حلم القضاء على فيروس شلل الأطفال، ليلحق بفيروس الجدري، حلماً من الممكن تحقيقه، وليكن بذلك ثاني مرض تمكن الإنسان من القضاء عليه قضاءً تاماً.
هذا النجاح -إن تحقق- سترث فوائدَه وتبعاتِه أجيالُ المستقبل، بحيث لن يصبح هناك طفل معاق أو مشلول مدى الحياة، ولن يدفن آباءٌ أبناءهم بعد أن لقوا حتفهم اختناقاً نتيجة شلل عضلات التنفس، بسبب فيروس تمكن الوقاية منه بتطعيم زهيد الثمن. وبالإضافة إلى هذا الجانب الإنساني الهائل، تظهر الدراسات الاقتصادية أن القضاء على فيروس شلل الأطفال، سيحقق عوائد اقتصادية تصل إلى 50 مليار دولار، ليعود الجزء الأعظم من هذه العوائد على اقتصاديات الدول النامية ومحدودة الدخل.
وجدير بالذكر هنا، أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان قد قدم منذ عام 2011 مبلغ 167,8 مليون دولار، مساهمةً من سموه في دعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال، مع التركيز بشكل خاص على باكستان وأفغانستان. وتأتي مساهمات سموه، في إطار النهج الإنساني لدولة الإمارات العربية المتحدة في التعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بتوفير الخدمات الإنسانية والصحية للمجتمعات والشعوب المحتاجة، وتقديم المساعدات لهم، ودعم الجهود العالمية لاستئصال مرض شلل الأطفال، والتقليل من حالات الإصابة به بنسبة كبيرة في الدول المستهدفة بالمبادرة.