أطلقت الصين حملة استراتيجية لاستمالة أو السيطرة على، دول وتحالفات في الخارج لطالما أيدت الأهداف الأميركية، وتقويضها في حالة فشل استمالتها. وما شجّع الصين على ذلك هو ازدراء الإدارة الأميركية وتهديدها بالتخلي عن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في أوروبا ومناطق أخرى.
وكشف وزير الدفاع الصيني عن تفاصيل صريحة في تلك الحملة أثناء كلمة ألقاها في اجتماع مغلق ببكين حضره ممثلون عن مجلس الأمن القومي التابع للأمم المتحدة. وأوضح دبلوماسيون محنّكون حضروا الاجتماع أن الجهود الصينية تحقق تأثيراً كبيراً.
وكشف أحد الدبلوماسيين البارزين «أن الصينيين قدّروا بصورة صحيحة أن الحلفاء الأميركيين يتشككون الآن في أن بمقدورهم الاعتماد على الولايات المتحدة مرة أخرى في مجالات شتى». وأضاف: «يبدو أن الرئيس ترامب يعبّر عن ما يكفي من شكوك وعدم ثقة من قبل الشعب الأميركي في الدول الأخرى بدرجة تجعلنا نعيد تقييم موقعنا في النظام العالمي».
ومن الواضح أن البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب مدرك تماماً للطموحات الجديدة لدى الصين. فقد كرّس مستشار الأمن القومي «جون بولتون» جزءاً كبيراً من كلمته التي أدلى بها منتصف الشهر الماضي في «هيريتدج فاونديشن» لاتهام الصين باستخدام «الاتفاقيات الغامضة» و«الاستغلال الاستراتيجي للديون» لجعل دول أفريقية أسيرة لرغبات ومطالب بكين. واعتبر أن المبادرة الاقتصادية الصينية «حزام واحد.. طريق واحد» أداة لتعزيز الهيمنة الصينية العالمية.
بيد أن رد البيت الأبيض على الحملة الاقتصادية والدبلوماسية الصينية ينطوي على خطأين واضحين. فهو لا يدرك أو يسعى لتصحيح الدور الأميركي الذي أوجد ظروفاً سببت تشكك الحلفاء في عزم وتأييد الولايات المتحدة. وأغفل توسع الأهداف الاستراتيجية الصينية إلى تقويض القيادة الأميركية في المؤسسات العالمية العابرة للأطلسي التي ساعدت في الحفاظ على الاستقرار العالمي منذ الحرب العالمية الثانية.
ولم يخف ترامب نياته، فقد أخبر رئيس واحد على الأقل لإحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بصراحة فجّة تفتقر إلى النصح، أن حملته لكسر الممارسات التجارية الصينية غير العادلة هي مقدمة لجهود سيقودها لـ«تقويض» ممارسات الاتحاد الأوروبي التي أوجدت عجزاً في الميزان التجاري للولايات المتحدة. وقد اعتبر ذلك الرئيس هذا التصريح بمثابة المسمار الأخير في نعش التعاون عبر الأطلسي أثناء رئاسة ترامب وربما بعدها، بحسب أحد المساعدين الذي روى هذه التفاصيل شريطة عدم ذكر اسمه.
وقد اتضح إدراك الصين لحالة الاهتراء التي تعتري دور الولايات المتحدة على الصعيد العالمي في تصريحات وزير الدفاع الصيني «ويي فينجي» لأعضاء مجلس الأمن الأممي الذين زاروا بكين في 26 نوفمبر الماضي. وكان الهدف من اللقاء هو التركيز على دور الصين في مهام حفظ السلام العالمي. لكن المشاركين أشاروا إلى أن «ويي» حاول التأكيد على الحاجة لقيادة جديدة في الأمم المتحدة وفي الشؤون العالمية، وعلى قدرة الصين ورغبتها في الاضطلاع بدور أكبر في كليهما إذا ما تعاونت دول أخرى مع بكين.
وأشار دبلوماسي حضر اللقاء إلى أن الوزير الصيني أكمل صورة مبادرة «حزام واحد.. طريق واحد» باعتبارها مفهوماً استراتيجياً، منوّهاً إلى أنه أوضح أنه سيتعين على الدول الأخرى اختيار نوع التحالفات التي ستنضم إليها. وبعد أسبوعين، انتقد «بولتون» بشدة برنامج القروض والاستثمارات ضمن مبادرة «حزام واحد» الذي يهدف إلى تطوير طرق تجارية تقود من وإلى الصين. وذكر أن الصين تستغل نفوذها الاقتصادي للاستحواذ على الموانئ الأفريقية والصناعات الوطنية، وإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي بهدف أن تتداخل مع القاعدة الأميركية القريبة منها.
وتضمن خطاب «بولتون» شكاوى مماثلة لتلك التي يدلي بها ترامب حول أن المساعدات الأميركية السابقة لأفريقيا قد تم هدرها، ومقترحات بأن تكون المساعدات المستقبلية مشروطة بالولاء السياسي من الدول المتلقية.
وفي هذه الأثناء، أصبحت الصين الآن منافساً استراتيجياً في أوروبا، حيث تستهدف الاستثمارات والقروض الصينية أصول البنية التحتية والتكنولوجيا الجديدة. وقد استثمرت بكين في أوروبا تسعة أضعاف ما استثمرته في الولايات المتحدة خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2018 بحسب مؤسسة «بيكر آند ماكينزي» القانونية. ونجحت الصين أيضاً في السيطرة المالية على مرافق ميناء رئيسي في العاصمة اليونانية أثينا، وأقحمت نفسها في النقاشات السياسية الدائرة في الاتحاد الأوروبي من خلال الروابط التي طورتها مع دول أوروبا الشرقية ودول البلقان.
وركزت المشتريات الصينية على الشركات الأوروبية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي وبرامج الكمبيوتر والبيانات والروبوتات والتكنولوجيا الجديدة الأخرى، لدرجة أن ألمانيا أصبحت مهتمة اهتماماً كبيراً ببدء تقييم الاستثمارات من بكين على أسس استراتيجية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»