احتفل «كيم جونج أون» بالعام الجديد بشكل أنيق في بدلة غربية أنيقة ورابطة عنق، وإنْ كان لا يزال يحتفظ بقصة شعره الغريبة المميزة. لكن المظهر الجديد لم يغير رسالته الأساسية التي يرددها مؤخراً: إنه يريد تخفيف العقوبات، ويريد هذا الآن، ويريده قبل أن يكون هناك أي تحرك حقيقي بشأن نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية. وفي حين أنه يقول إنه يرغب في المشاركة في قمة أخرى مع الرئيس ترامب – والتي سيدعمها بالاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني «شي جين بينج»، بالطبع - فإنه ينشر خطاباً مشؤوماً بشكل غامض حول «لا خيار سوى طريقة جديدة لحماية سيادتنا». فما هي الخطوة القادمة في العلاقة الثنائية المعقدة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟
من الواضح أن كيم يفقد صبره، حيث إن قواعد اللعبة «الطبيعية» للمفاوضات والتي استخدمها من قبل بفاعلية والده «كيم جونج إيل»، لا تحقق أي نتائج جوهرية في تحسين الاقتصاد الخامل لنظامه، حيث هناك 25 مليون نسمة يعيشون في معاناة. في الجولات السابقة مع الغرب، والتي انتهت الآن، كانت المملكة المنعزلة ستُمنح تنازلات كبيرة: عقوبات أخف، وشحنات أغذية ودواء، والحصول على التكنولوجيا الغربية، ومناطق تجارية حرة مع كوريا الجنوبية. لكن عدم إحراز تقدم ملموس بالنسبة لـ«كيم» لعرضه على شعبه بدأ يقلقه، وحتى سحر الظهور على الساحة العالمية مع الرئيس الأميركي لن يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي لبلاده.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الكلمات الأساسية بسيطة: الصبر الاستراتيجي. وسيكون من الغباء منح أي تنازلات من دون وجود قائمة مباشرة من الأسلحة النووية الكورية الشمالية، وأنظمة إطلاق هذه الأسلحة، ومواقع الاختبار والتخزين. مثل هذا الحساب لن يكون مكتملاً بلا شك تقريباً في البداية، لكنه على الأقل يمثل نقطة انطلاق، وسيتم التحقق من صحته في مقابل أي قاعدة بيانات مهمة للاستخبارات الموجودة. وبعد ذلك فقط يمكن للولايات المتحدة أن تنظر في توصية المجتمع الدولي بخفض العقوبات – الأمر الذي سيؤدي بمرور الوقت إلى تخفيضات فعلية في مخزون كوريا الشمالية الذي يتكون من 30 -60 سلاحاً نووياً.
دعونا نواجه الأمر، نحن نعرف ما ستبدو عليه حرب في شبه الجزيرة هذه. في أوائل خمسينيات القرن الماضي، مات مئات الآلاف في حرب من دون أسلحة نووية. ينبغي على المفاوضين من كلا الجانبين قراءة كتاب «هامبتون سايدز» الرائع الجديد عن معركة الذروة في تلك الحرب عند خزان «تشوسين». وبينما يستهل البيت الأبيض عام 2019 الذي سيكون صعباً على الساحتين المحلية والدولية، هناك خمس نقاط أساسية يجب أن يضعها هؤلاء المفاوضون في الحسبان إذا كنا نريد تجنب الحرب وتسوية هذا الوضع دبلوماسياً.
أولاً، في حين أنه يمكن تقديم بعض التنازلات بشأن العقوبات بعد وجود قائمة حقيقية يمكن التحقق منها من القدرات النووية الكورية، يجب أن يظل التخفيف الكامل للعقوبات مرتبطاً بإزالة الأسلحة النووية لكوريا الشمالية بشكل كامل لا رجعة فيه ويمكن التحقق منه. لكن التخفيف الجزئي إذا أظهر الجانبان حسن النية يمكن أن يدفع الأمور إلى الأمام من المأزق الحالي.
ثانياً، لا يمكن خفض القوات الأميركية الموجودة في شبه الجزيرة الكورية في ظل الظروف الحالية. ولا شك في أن رؤية الرئيس ترامب وهو يسحب القوات من جانب واحد من سوريا وربما من أفغانستان قد جعلت لعاب «كيم» يسيل. وخلال الحملة الرئاسية لعام 2016، اقترح المرشح آنذاك ترامب سحب القوات الأميركية، وقوامها 28 ألف جندي من كوريا الجنوبية كتدبير لتوفير النفقات. يجب أن يكون هذا بمثابة خط أحمر واضح للولايات المتحدة: لن يعود جندي واحد إلى الوطن حتى تتم تسوية القضية النووية تماماً ونهائياً.
ثالثاً، زيادة جهودنا الاستخباراتية والإلكترونية ضد نظام كيم. وكلما فهمنا أكثر، كانت فرصنا أفضل في المفاوضات. وهذا، على وجه الخصوص، يعني العمل عن كثب مع شركائنا في كوريا الجنوبية. فهم يرون ويفهمون كوريا الشمالية أفضل بكثير مما نراها بسبب تقاسم اللغة والثقافة والتاريخ. يجب أن نمضي وقتاً أطول في الاستماع إلى الكوريين الشماليين، ووقتاً أقل في الصياح في وجوههم. وعندما يتم تسليم جوائز نوبل للسلام في نهاية المطاف من أجل السلام في شبه الجزيرة لا يجب أن يتصدر القائمة كيم أو ترامب (اللذان يستحقان جزءاً من الفضل)، بل للرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي إن».
رابعاً، سنقبل الوضع الصعب ونحث الصين على المشاركة في المفاوضات. وكلما أسرعنا في التحول من المفاوضات الثنائية (الولايات المتحدة وكوريا الشمالية) إلى المفاوضات الرباعية (مع إضافة كوريا الجنوبية والصين) كان ذلك أفضل. فهؤلاء الصينيون يبدون تناقضاً– فهم لا يريدون حرباً (وموجات من اللاجئين)، لكنهم أيضاً لا يريدون كوريا موحدةً أيضاً. وإذا افترضنا أن ترامب و«شي» يستطيعان الإبقاء على القوتين العظميين خارج حرب تجارية شاملة، يمكن أن تصبح شبه الجزيرة الكورية منطقة تعاون بالنسبة لواشنطن وبكين. وستساعد المفاوضات الرباعية في هذه العملية، على الرغم من إبطائها (والعودة إلى الصبر الاستراتيجي).
وأخيراً، سيتطلب المضي قدماً إبداعاً دبلوماسياً وعسكرياً جاداً. لن يقوم «كيم» ببساطة بتسليم مخزونه من أجل وعد بتخفيف العقوبات، وسيخمن بشكل صحيح أنه بمجرد اختفاء الأسلحة يمكن أن تكون الخطوة القادمة هي فرض عقوبات جديدة، على سبيل المثال، رداً على وجود أكثر من مليون شخص في معسكرات التعذيب التي يديرها. وسيريد الاحتفاظ بالأسلحة والتكنولوجيا لأطول فترة ممكنة. لذا يتعين على كلا الجانبين العمل على بناء الثقة التي يمكن أن تشمل التخفيف التدريجي للعقوبات على مدار وقت مرتبط بمزيد من الخطوات المحددة من جانب كوريا الشمالية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»