لنكن صرحاء مع أنفسنا: فالأغلبية «الديمقراطية» الجديدة في مجلس النواب لن تستطيع سن تشريع جديد. وشخصياً، سأتفاجأُ جداً إذا كانت ثمة صفقات بين الحزبين حول أي شيء مهم – حتى بخصوص البنية التحتية، حيث يقول الطرفان إنهما يريدان تحركاً وإجراءات، والحال أن ما يريده الحزب «الجمهوري» في الواقع هو ذريعة لخصخصة الممتلكات العامة. وعليه، فالنتائج الفورية لتغير السلطة في واشنطن لن تشمل صنع السياسات، وإنما ستأتي بشكل رئيسي من قدرة «الديمقراطيين» الجديدة على توجيه الاستدعاءات لبعض المسؤولين من أجل استجوابهم والتحقيق في مستنقع الفساد الترامبي الذي يزكم الأنوف.
ولكن هذا لا يعني أن على «الديمقراطيين» أن يتجاهلوا مواضيع السياسات، بل على العكس، إذ يجدر بالحزب خلال السنتين المقبلتين محاولة معرفة وتحديد ما الذي سيحاول فعله بالضبط في حال نجح في اكتساب سلطة صنع السياسات في 2021. وهو ما يحيلنا إلى شعار اللحظة السياسي الكبير: «الصفقة الجديدة الخضراء». فهل هذه فكرة جيدة حقاً؟
أجل إنها كذلك. ولكن من المهم الذهاب إلى ما هو أبعد من الشعار الجذاب والخوض في الكثير من التفاصيل بإسهاب. فنحن لا نريد أن نكون مثل «الجمهوريين»، الذين أمضوا سنوات في الحديث عن إلغاء «أوباماكبير»، ولكنهم لم يقوموا أبداً بصياغة بديل عملي.
ولكن، ما الذي تعنيه «الصفقة الجديدة الخضراء»؟ الأمر ليس واضحاً كلياً، وهو ما يجعله شعاراً جيداً. فهو يمكن أن يعني عدداً من الأشياء الجيدة. ولكن الهدف الرئيس، كما أفهمه، هو أن علينا أن نقوم بخطوة كبيرة لمعالجة تغير المناخ، وأن هذه الخطوة ينبغي أن تُبرز الإيجابي، وليس السلبي. وينبغي أن تشدد، بشكل خاص، على الاستثمارات والإعانات، وليس ضرائب الكربون.
ولكن مهلًا، ألا ينبغي أن نبحث إمكانية فرض ضريبة كربون؟ مبدئياً، نعم. فكما يمكن لأي عالم اقتصاد أن يقول لك، فثمة مزايا وفوائد كبيرة لثني الناس عن التسبب في التلوث عبر وضع ثمن على الانبعاثات، وهو ما يمكنك أن تفعله إما من خلال فرض ضريبة أو إنشاء نظام «تسقيف وتبادل» يمكن للناس بمقتضاه شراء تراخيص الانبعاثات وبيعها.
إنه درس أساسي في العلوم الاقتصادية: فضريبة التلوث أو ما يعادلها تخلق حوافز شاملة بطريقة لا تستطيع خلقها السياساتُ الأقل شمولية، من استخدام الطاقة المتجددة، إلى المحافظة على الطاقة، إلى الابتعاد عن المنتجات المستهلِكة لقدر كبير من الطاقة.
غير أن ضريبة الكربون هي ضريبة في النهاية – وهو ما سيثير استياء الأشخاص الذين سيتعين عليهم دفعها. صحيح أن العائد الذي سيأتي من ضريبة كربون يمكن أن يُستخدم لخفض ضرائب أخرى، ولكن إقناع أشخاص آخرين بأنهم سيكونون أفضل حالاً بشكل عام سيكون مهمة صعبة للغاية. كما أن الادعاءات بأن ضريبة كربون عالية بما يكفي لإحداث فرق مهم ستلقى دعماً مهماً من الحزبين هي ضربٌ من ضروب الخيال، في أحسن الأحوال، وحيلة من حيل قطاع الوقود الأحفوري قصد تجنب تدابير كبيرة، في أسوئها.
تكمن الفكرة في أن تبني سياسة غير مثالية ولكنها قابلة للتسويق - في البداية على الأقل - أفضلُ من البحث عن الكمال والمثالي. كان هذا درس إصلاح نظام الرعاية الصحية: فنظام «الدافع الوحيد» لم يكن له أي فرصة في النجاح والخروج إلى حيز الوجود في عهد الرئيس أوباما، ولكن نظاماً هجيناً يجمع القطاعين العام والخاص ويحافظ على التأمين المستند إلى المشغِّل كان ممكناً - ونتيجة لذلك، حصل 20 مليون أميركي على التغطية الصحية.
إن أغلبية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الأميركية تأتي من توليد الكهرباء والنقل. ونحن نستطيع تقليص الانبعاثات المتعلقة بتوليد الكهرباء بالثلثين أو أكثر فقط عبر منع استخدام الفحم واستخدام مزيد من مصادر الطاقة المتجددة (التي انخفضت أسعارها بشكل جذري)، من دون أن يضطر الأميركيون لاستهلاك طاقة أقل. كما أننا نستطيع تقليص انبعاثات وسائل النقل بقدر مماثل عبر تحسين الكفاءة (زيادة المسافة التي تستطيع مركبة قطعها باستخدام قدر معين من الوقود) وزيادة استخدام المركبات الكهربائية، حتى وإنْ لم نقلّص عدد الكيلومترات التي نقود فيها السيارة كل يوم.
هذه مكاسب يمكن تحقيقها من خلال المزج بين حوافز إيجابية مثل الائتمانات الضريبية والتقنين العقلاني. وإذا أضفنا إلى ذلك استثمارات في التكنولوجيا والبنية التحتية تدعم الطاقةَ البديلة، فإن «صفقة جديدة خضراء» تقلّص الانبعاثات بشكل جذري ستبدو عمليةً كلياً، حتى من دون ضرائب كربون. ثم إن هذه السياسات من شأنها أيضاً خلق وظائف في مجال الطاقة المتجددة، التي باتت تشغِّل عدداً أكبر من الناس مقارنة مع قطاع الفحم.
وبالطبع، فإن بعض الأشخاص سيتضررون. إذ سيتعين على الـ53 ألف أميركي الذين ما زالوا يعملون في مناجم الفحم مثلاً أن يجدوا وظائف أخرى. كما أن أرباح شركات الوقود الأحفوري ستنخفض أيضاً، رغم أن هذه الشركات باتت تمنح كل مالها تقريباً للحزب «الجمهوري»، ولهذا، فإنه من غير الواضح لماذا على «الديمقراطيين» الاكتراث. غير أنه بشكل عام يستطيع «الديمقراطيون» بكل تأكيد أن يفعلوا لتغير المناخ ما فعلوه للرعاية الصحية، أي اجتراح سياسات تحسّن الوضع بشكل كبير جداً مع إنتاج فائزين أكثر من الخاسرين. صحيح أنهم لا يستطيعون سن «صفقة جديدة خضراء» فوراً، ولكن يجدر بهم الشروع في الاستعداد الآن، والتهيؤ للتحرك في غضون عامين.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»