في مثل هذا اليوم، في الرابع من يناير عام 2006، واصل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قيادة دفة الحكم بدبي، بعد أن تشرب من حِكم شيوخ آل مكتوم الكرام سعيد وراشد ومكتوم رحمهم الله أجمعين. عبر سموه نفق الزمان بطول نصف قرن أرسى قواعد الأمن والأمان في إمارة دبي، وقد شهدت مؤتمراً أمنياً خاصاً تحدث فيه أحد كبار رجال الأمن من أميركا شاهداً من الخارج للداخل، عندما عرض الإحصاءات الأمنية الخاصة بنسب الأمن والأمان في مختلف المجتمعات البشرية وعلى رأسها أميركا المعروفة بإمكانياتها الهائلة في هذا المجال، حيث اعتبر هذا الخبير شعور السكان بأنهم آمنون في سرب الإمارة بشكل خاص والدولة بشكل عام فوق ال 90%، وهي النسبة التي لم تصل إليها أميركا إلى الآن. وضرب الخبير مثلاً بنفسه في فترة بقائه بالدولة أثناء المؤتمر، حيث أشار إلى أنه قضى مرة مع زوجته 24 ساعة في الصحراء الإماراتية من دون أن يرافقهم أحد بالمطلق، ولم يتسلل الخوف إلى قلبيهما كما هو الحال في موطنهما الأصلي الذي يندر أن يسلم الشخص على حياته فيما لو قام برحلة شبيهة بما أقدمنا عليها في دبي.
أردت بهذه الشهادة من الآخر أن أصل إلى نتيجة مفادها فرادة هذه الشخصية، التي لا زالت بصماته الأمنية بارزة ليس في الإمارة التي يحكمها منذ أكثر من اثني عشر عاماً، وقد استمر أداؤه الأمني عندما احتفظ بحقيبة وزارة الدفاع في الحكومة الاتحادية ولا زال يغرس بذور الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي لكافة الجنسيات بالدولة. فلو لم يكن لأبي راشد غير هذه الخصلة لحق له أن ينام قرير العين تحت ظل شجرة غاف بمنطقة العوير هانئ البال مطمئن الحال. ماذا أضاف بوراشد رعاه الله وأطال لنا في عمره إلى دبي؟ لقد غيَّر وجه دبي 12 مرة، ففي كل عام ترى مشروعاً بارزاً قبل أن تسمع عنه.
ولو قمنا بإحصاء دقيق لمنجزاته لأعجزت من يقوم بعدها خلال سنوات حكمه للإمارة. فعلى مستوى البنية التحتية، لم نشهد بناء طرقات بستة عشر مساراً إلا في عهده، ولقد مكثت في بريطانيا ست سنوات متتاليات، كانت الشوارع ذات المسار الواحد إلى مسارين بالقوة، وأحياناً يتحول جزء منه إلى مواقف لسيارات السكان، تصور كيف تسلك السيارات هذه الطرقات المتراصة.
وكان يحلم بالواقع ولا يطير بالخيال، وهو في سن مبكرة أثناء دراسته ب «سانت هيرس» كان يحدث نفسه: هل يمكن أن يأتي يوم وفي دبي شوارع وطرقات مثل بريطانيا أو عمائرها؟
ما أبسط هذا الحلم وما أروعه، بعد خمسين عاماً مضى على ذاك الحلم، مطار دبي الدولي يأتي في المركز الأول على مستوى العالم لأربع سنوات متتاليات، ويعترف رئيس مطار هيثرو بنفسه بأن مطاره أصبح خارج دائرة المنافسة. وقبل قرابة عقدين أعلن بوراشد هكذا صراحة بأن دخل دبي من النفط لا يكفي لتلبية احتياجات دائرة واحدة من دوائر دبي الثماني والعشرين آنذاك.
ومنذ أيام قليلة أعلنت الحكومة عن موازنتها للعام 2019، بميزانية تقترب من 60 مليار درهم حصة النفط فيها فقط 8% من إجمالي الميزانية العامة للإمارة.
إن دخل طيران الإمارات وحده يغطي قرابة ثلاثة أضعاف دخل دبي من النفط، حتى تصدق هذه الحقيقة الاقتصادية بأن دبي ليست نفطاً لأن فيها قائداً يبحث عن البدائل دائماً ولا يرضى بالبقاء حبيساً للنفط أو غيره من الموارد الطبيعية. وهو عين ما أعلن عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قبل عامين في مؤتمر قمة الحكومات بأن آخر برميل نفط سيصدر من أبوظبي في العام 2050، وتبقى لديها المورد الذي لا ينفد ألا وهو رأس المال البشري وهو الأثمن بلا منازع. هكذا تتواءم الرؤية الثاقبة بين «المحمدين»، وتتأكد عندما لفت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، انتباه شعب الإمارات إلى استحقاق «بوراشد» للشكر على خمسين عاماً في خدمة الوطن.