حين قرَّر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الطارئ الذي عقدوه بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة يوم 12 نوفمبر 2011 تعليق عضوية سوريا لحين التزام حكومتها بتنفيذ بنود المبادرة العربية، وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد دمشق، وحث الجيش السوري على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين المناهضين للنظام، بدا الأمر في ذلك الوقت موقفاً تضامنياً لصالح الشعب السوري، والمعارضة التي تحمل السلاح لأجل إسقاط النظام، بدليل دعوتها إلى الاجتماع، في محاولة لسماع صوتها أوّلاً، ولإحلالها بديلاً عن النظام الحاكم في وقت لاحق ثانياً، ولإظهار دعم بعض الدول العربية للثورة في سوريا ثالثاً، لكن وقائع السنوات الثماني الماضية أكدت عكس ذلك تماما، حيث فشلت المعارضة المتعددة والتابع معظمها لدوائر خارجية، وتمكنت قوى دولية من التحكم في المنطقة عبر بوابة سوريا، وأقصد هنا كلاً من: إيران وروسيا وتركيا، وزادت هجمات العدو الإسرائيلي بحجة مواجهة إيران، واتسعت مساحة الإرهاب، وأخذت بعداً دولياًّ من سوريا وإليها.
إذن، لم تتوقع معظم الدول العربية أن تطول الحرب الأهلية لمدة ثماني سنوات، وأن تكون سوريا دار حرب تجتمع فيها قوى الظلام والإرهاب، كما أنهم لم يدركوا ساعتها أن ما يعلنونه يعد خطأ استراتيجياً على المستوى القومي، لأربعة أسباب، أولها: إحداث سابقة خطيرة في العمل السياسي العربي، بتعليق عضوية دولة مؤسسة للجامعة العربية، وثانيها: إنهاء التدخل العربي لحل الأزمة على خلفية قطع العلاقات، وثالثها: تدويل الأزمة سياسياً وعسكرياً عبر التدخل الخارجي، ورابعاً: جرهم من طرف قطر إلى تنفيذ سياسات وتفاهمات دولية على حساب العرب، ومن يعود بالذاكرة إلى زهو رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني آنذاك في المؤتمر الصحفي يدرك ذلك، فقد كان مدافعاً شرساً، ويتحدث بحماس وبفرح المنتصر حين تلا نص القرار الآتي«تعليق مشاركة وفد حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتباراً من 16 نوفمبر الجاري إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية».
وبالعودة إلى التفاصيل، طالب القرار الدول العربية بـ«سحب سفرائها من دمشق»، لكنه اعتبر ذلك «قراراً سيادياً لكل دولة»، واستناداً إلى ذلك لك لم تقطع بعض الدول العربية علاقتها مع سوريا خلال السنوات الثماني الماضية، ومنها بوجه التحديد العراق، ولبنان، والجزائر، وعل خلفيته يمكن لنا فهم شرعية وأحقية ما قامت به الإمارات والبحرين، وقبلهما السودان، ومن بعدهما دول أخرى مقبلة، ما يعني أن مواقف الدول السابقة مؤسسة على قرارات الجامعة العربية، بغض النظرعن حساباتها السياسية والدبلوماسية والأمنية والاقتصادية، وهذا يحيلنا إلى أمرين، الأول: شطط وزيف وتفاهة الإعلام المضاد لأي تقارب عربي من خلال شنه حملة هذه الأيام ضد الخطوات العربية باتجاه سوريا، وتحديداً الإعلام القطري، وإعلام «الإخوان» في الخارج، والأمر الثاني: توقع حدوث انفراجة في العلاقة بين سوريا والدول العربية الأخرى في القمة العربية المرتقبة بتونس في مارس المقبل، بما في ذلك استرجاع عضويتها الكاملة، بل إن بعض المصادر تتحدث عن احتمال دعوة الرئيس بشار الأسد إلى القمة.