لم تحدث منذ سنوات عديدة تقلبات اقتصادية مثلما حدثت في عام 2018 المنقضي منذ أيام قليلة، والذي أدخل العالم في قضايا معقدة على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مجال، مما سيجد له انعكاسات على تطورات العام الجديد، وبالأخص بعد أن أحدث الرئيس الأميركي في النصف الأول من ولايته تغيرات جذرية في السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة أغضبت معظم دول العالم، بما فيهم الحلفاء التقليديون لواشنطن.
ولنبدأ بالنفط، باعتباره أهم قطاع اقتصادي لدولنا، فبعد ارتفاعات متواصلة حدثت انتكاسة مع فلول العام الماضي ليتدهور سعر برميل النفط بنسبة كبيرة تجاوزت 40% لتدخل السوق في نوع من عدم الاستقرار الذي ربما يميز أسعار النفط في العام الجديد، إلا أن ما يدعو للتفاؤل في هذا الجانب، هو التنسيق المستمر والفعال بين منظمة «أوبك» وروسيا الاتحادية، والذي يعتبر صمام الأمان لبقاء أسعار النفط عند مستويات مقبولة ومريحة للبدان المنتجة فوق 50 دولاراً للبرميل في عام 2019، رغم أنها ستبقى تتذبذب بصورة كبيرة نتيجة للعديد من العوامل الاقتصادية والجيو-سياسية لتتراوح ما بين 50-70 دولاراً للبرميل، علماً بأن التوقعات الخاصة بإمكانية تباطؤ النمو العالمي ستؤثر على الأسعار إلى جانب المضاربات المزمنة في الأسواق.
العامل الآخر والذي سيترك آثاراً على اقتصادات مختلف البلدان في العام الجديد، هو التطورات المحتملة للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وذلك رغم التنازلات المتتالية التي تقدمها الصين لتفادي هذه الحرب، والتي كان آخرها تخفيض الرسوم على وارداتها من السيارات الأميركية من 40 إلى 25%، إلا أن الرئيس الأميركي سيستمر في ممارسة المزيد من الضغوط على بكين ليتم التوصل إلى اتفاق شامل وفق شروطه، مثلما حدث لاتفاقية واشنطن مع كل من كندا والمكسيك، وهو أمر صعب الوصول إليه مع بكين بحكم الثقل الاقتصادي والاستراتيجي للصين، كدولة عظمى، مما يعني أن الحرب التجارية بين الطرفين مرشحة ربما للمزيد من التدهور، وهو ما سيجد له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الدولي ككل.
وفي العام الحالي ستزداد الضغوط على بعض القطاعات الاقتصادية الرئيسية في العالم، كالقطاعين المالي والعقاري، فبالنسبة للقطاع المالي، فإن تدحرج كرة الثلج للقروض العالمية ستدخل العديد من البلدان، بما فيها المتطورة في أزمات مالية صعبة للغاية، كما أن «بريكست» سيؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع المالية في أوروبا وانتقال مؤسسات مالية كبيرة من عاصمة المال والأعمال لندن إلى مدن أوروبية أخرى، كفرانكفورت وباريس، في حين يتوقع أن تتدهور أسواق المال «البورصات» متأثرة بالأوضاع المالية والاقتصادية العامة والغموض المحيط بالقطاع العقاري، وبأسهم شركات التقنية بعد سلسلة من الفضائح والاختراقات لحسابات هذه الشركات والمتعاملين معها.
وإلى جانب ذلك، فإن أسعار صرف العملات الرئيسية ستشهد المزيد من التقلبات وستتأثر بالعديد من العوامل، والتي يأتي في مقدمتها كيفية تطبيق الاتفاقية الخاصة بـ«بريكست» بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي والتي ستجد لها انعكاسات على كل من «اليورو» والجنيه الإسترليني، أما الدولار الأميركي، فلربما يعاني في العام الجديد بسبب التفاوت الكبير بين سياسة ترامب الاقتصادية وسياسة بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي، والتي إما إنها ستؤدي إلى إلحاق المزيد من الضرر بالعملة الأميركية، أو إقالة رئيس «بنك الاحتياطي الفيدرالي»، وفي كلتا الحالتين ستتأثر أسعار صرف الدولار في الأسواق الدولية.
هل تُعتبر كل هذه التطورات المحتملة- التي أشرنا إليها باختصار شديد جداً مع عدم التطرق لجوانب أخرى وتفاصيل عديدة- مقدمة لأزمة مالية جديدة كثر الحديث عنها مؤخراً، ويتوقع حدوثها إما في العام الحالي أو بداية العام القادم 2020 – ربما - إلا أن ذلك سيعتمد على كيفية معالجة المسائل المتشابكة، التي أشرنا إليها آنفاً، إضافة إلى جوانب جيو- سياسية ستزداد تعقيداً في العام الحالي، مما يضع المزيد من الغموض على الأوضاع الاقتصادية والمالية وعلى الأوضاع الدولية بشكل عام في عام 2019، مع تمنياتنا بسنة جديدة سعيدة يعيش فيها الجميع بصحة وسلام وطمأنينة.