قبل سنوات طويلة، قرأت قصيدة باللغة العربية ترجع إلى عصر ما قبل الإسلام، تصف ناقة تسير في فلاة على غير هدى. وفجأة توقفت الناقة عن المسير. وفي البداية، استرقت النظر من خلفها مرتعدة مما كانت تهرب منه، ثم نظرت إلى الأمام، خائفة كذلك من المصير المجهول. وكانت هذه هي الصورة التي تبادرت إلى ذهني مع انتهاء عام 2018 بينما جلست لأكتب عن العام المنقضي وما أتوقعه في العام الجديد.
بكل المقاييس كان 2018 عاماً مضطرباً، وربما يرجع الأمر بدرجة كبيرة إلى مواقف الرئيس ترامب. فقد بدأنا عام 2018 وأنهيناه على إغلاق جزئي للحكومة بسبب إصرار الرئيس على إقرار الكونجرس تمويل الجدار الفاصل على الحدود الأميركية المكسيكية، رغم معارضة الديمقراطيين وبعض قادة الحزب الجمهوري الذي ينتمي إلى الرئيس. وعندما عرض الديمقراطيون على البيت الأبيض تمويلاً جزئياً للجدار في محاولة للتوافق على إصلاح لقانون الهجرة، تقاعس ترامب وزاد مطالبه. وبالإضافة إلى جداره، بات يطالب بإنهاء قرعة الهجرة العشوائية لأميركا ولم شمل الأسر. كما قلّص عدد اللاجئين المقبولين في الولايات المتحدة، وفرض قيوداً على طالبي اللجوء.
وفي نهاية العام، نواجه مجدداً إغلاق بعض الإدارات الحكومية، دون دليل على أن البيت الأبيض راغب حقيقة في التوصل إلى تسوية. وكرر ترامب تعكير صفو العلاقات الدولية مع الحلفاء في الشرق والغرب. فقد أغضب العرب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وفرض رسوماً جمركية جديدة على واردات الصلب والألومنيوم، ومرة أخرى تصرف بصورة أحادية في تقاربه مع الزعيم الكوري الشمالي «كيم جون أون» والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مسبباً القلق لدى «الناتو» وكوريا الجنوبية واليابان، ثم فاجأ الجميع بإعلانه سحب القوات الأميركية من سوريا.
وشهد 2018 حالة اضطراب داخل الإدارة ذاتها، فترامب خسر وزراء الخارجية والدفاع والصحة والخدمات وشؤون المحاربين القدامى والداخلية والمدعي العام، ومدير وكالة حماية البيئة، ومستشار الأمن القومي، وسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وكبير موظفي البيت الأبيض، والمستشار القانوني، ومدير الاتصال، وعشرات من كبار المسؤولين الآخرين في البيت الأبيض.
وهناك أمور كثيرة يمكننا النظر إليها في عام 2018، لكن المشكلة بالطبع، كما هي الحال بالنسبة للناقة العربية، هي أنه لا يسعنا إلا أن نشعر بالخوف بالنظر إلى ما ينتظرنا في عام 2019. وقد تعلمت منذ فترة طويلة أن الاختبار الحقيقي الذي يواجهنا في الحياة ليس بشأن كيفية تحقيق الأهداف التي وضعناها لأنفسنا، وإنما بشأن كيفية مواجهة التحديات غير المتوقعة التي تنتظرنا. لذا، يمكننا أن نتوقع بعض الأمور التي سيحملها العام الجديد، فـ«الديمقراطيون» سيسيطرون على مجلس النواب، ولن يجعلوا الأمور سهلة أمام ترامب. وسيبدؤون العام بمواجهة إغلاق الحكومة، وسيصر الرئيس على أن يخصصوا خمسةَ مليارات دولار في الموازنة لبناء جداره. وأي تسوية قد يتم التوصل إليها مع البيت الأبيض ستظل بحاجة إلى موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.
وإلى ذلك فثمة أزمات في العالم لا يمكن أن نتوقع ما ستتمخض عنه. فهل ستستفيد تركيا من الانسحاب الأميركي لتشن هجوماً على القوات الكردية في سوريا؟ وهل ستهاجم إسرائيلُ لبنان؟ وهل ستؤدي الأنشطة التخريبية للميليشيات المدعومة إيرانياً في العراق إلى عودة «داعش»؟ وهل سيفوز نتنياهو بانتخابات أخرى؟ وهل سيرد الفلسطينيون على الضغوط الشديدة التي يواجهونها من قبل الاحتلال الإسرائيلي؟ وهل سترى صفقة القرن النور يوماً؟