تحتفل دول العالم هذه الأيام بذكرى ميلاد سيدنا المسيح وقدوم السنة الميلادية الجديدة، وهذه مناسبة طيبة وفرصة لتجديد أواصر المحبة والسلام والإخاء بين البشر جميعاً، مهما اختلفت أديانهم وجنسياتهم وألوانهم.
لقد تعودت الاحتفال بهذه المناسبة منذ عودتي من الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يحرص الأولاد على شراء شجرة الكريسمس وتزيينها وشراء الهدايا للأهل والأقارب. وعلى المستوى الشخصي، أستغل هذه المناسبة لزيارة الأصدقاء من إخوتنا المسيحيين لتبادل التهاني معهم.
ورغم حقيقة كونها مناسبة دينية تتعلق بولادة سيدنا المسيح، إلا أن الاحتفالات بها في الدول الرأسمالية الغربية أخذت طابعاً تجارياً استهلاكياً وترفيهياً، حيث يتم الترويج في العادة للاحتفالات وشراء الهدايا قبل قدوم شهر ديسمبر.. وتستمر مهرجانات التسويق والتنزيلات الكبيرة لمدة طويلة يتم فيها التخلص من البضائع القديمة بالتنزيلات والترويج للبضائع الجديدة.. الكل يستفيد، خاصة الشركات المتخصصة في الهدايا.
ما يهمنا هنا هو طابع الاحتفالات في العالم العربي عامة وفي منطقة الخليج بشكل خاص، حيث يلاحظ في السنوات الثلاثين الماضية اشتداد الحملة التي يشنها الإسلام السياسي ضد الاحتفالات وضد تهنئة إخوتنا في الوطن والبشرية من أبناء الديانة المسيحية. ويزعم المتزمتون أن هذه الاحتفالات ذات طابع ديني ولا يجوز للمسلمين المباركة فيها للمسيحيين! بل إن جماعات الإسلام السياسي اعتبرت احتفالات الأطفال وتبادل الهدايا في يوم الكريسمس تمثل تمهيداً لإدخالهم الدين المسيحي وتخليهم عن دينهم.. وهو زعم كاذب لا أساس له من الصحة أو الواقع.
الأمر المؤسف حقاً ليس تشدد المتطرفين والمغالين في الدين من المنتمين للإسلام السياسي.. بل المصيبة هي أن دولاً عربية منعت الاحتفالات في محاولة لكسب رضا وقبول هذه التيارات. أذكر جيداً في بلدي الكويت في عصر الانفتاح الحضاري خلال الستينيات والسبعينيات، أن الفنادق والمطاعم كانت تحمي حفلات الكريسمس ويحتفل فيها الأطفال صباحاً وأهاليهم مساءً، ويستلم الأطفال الهدايا فرحين بدون أي تردد ولا خوف.. فكل همهم استغلال أجواء المرح والمحبة واللهو مع أصدقائهم.
وفي السنوات الأخيرة، خلال عصر الردة المجتمعية ولباس روح التزمت الشكلي والانفلاق الحضاري، منعت الحفلات في الكريسمس.. لكن سُمح للفنادق والمطاعم بتشغيل الموسيقى من دون فرق موسيقية!
وكرد فعل من التيار الوطن والليبرالي في الكويت، تم اتخاذ خطوات عملية بنشر الإعلانات في الصحف نبارك فيها للمسيحيين بهذه المناسبة وندعو فيها لنشر روح المحبة والإخاء والتسامح والسلام واحترام إنسانية الآخر. وقد وزعت رسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أبارك فيها للجميع قدوم هذا العام الجديد.
إن ما نحتاج إليه فعلاً في العالم العربي، بعد أن انتشرت الحروب الدينية والطائفية هو تعزيز روح المحبة واستغلال المناسبة السعيدة لوقف الحروب الداخلية والالتزام بتعاليم الأديان السماوية التي تحمل المحبة والسلام للبشرية.

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت