ستحتفي الإمارات على مدى الاثني عشر شهراً المقبلة، أي خلال عام 2019، بما أُقر رسمياً بتسميته «عام التسامح». ومع ولوج هذا العام، تتبادر إلى ذهني أسئلة كثيرة حول التسامح، بما فيها مفهوم التسامح ذاته من زاوية تسميته التي أفضل على المستوى الشخصي أن تكون «الحس الإنساني لأهل الإمارات»، لكن أكثر الأسئلة إلحاحاً هي: ما هي علاقة التسامح بالتعليم؟ بمعنى ما الذي يجب علينا أن نعلمه أبناءنا من قيم لكي نجعلهم متسامحين، مع أنفسهم أولاً، ثم بعد ذلك مع الغير؟ وفي الواقع أن هذا السؤال قد يبقى متجدداً لأمد طويل بقدر ما ترصده الدولة من ميزانيات للتعليم بمستوياته كافة، وبقدر ما تقوم بافتتاحه من مدارس، وبقدر عدد الناشئة الذين ينتظمون في تلك المدارس سنوياً، وبقدر ما تخرجه المدارس والمعاهد والكليات والجامعات في الدولة من أفواج المتعلمين، وبقدر ما يحتاجه ويستوعبه سوق العمل في الإمارات.
ولكي نجيب على هذا السؤال لابد من القول بأن الإمارات في إطار سعيها نحو مستقبل مشرق أفضل، أكثر رسوخاً وقوة عليها مواجهة العديد من التحديات التي تقف أمام مسيرتها وحس أبنائها الوطني والإنساني. ولا يوجد أدنى شك في أن الإمارات قادرة حتى الآن على مواجهة العديد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل تقوم باقتدار بالتعامل معها ومواجهتها بشكل مباشر من دون خوف أو وجل، ومن ضمن ذلك مشاكل التعليم، حيث درجت النخبة السياسية فيها على تبني ودعم التغييرات الرئيسة التي تحتاجها الدولة والمجتمع، والدفع إلى الأمام بحدوثها وتنفيذها، اعتماداً على قوة الثقافة الوطنية ورسوخها لدى الإنسان الإماراتي. إن مسألة زرع قيم التسامح من خلال التعليم أمر جوهري وممكن، ويمكن تحقيقه من خلال منظومة من المبادرات التعليمية التي ترتكز على تحقيق الآتي من الأمور:
أولاً، تعليم النشء بأن بلادهم في بحث دائم وتطوير مستمر لصيغ جديدة من هويتها الوطنية التي تعكس قيم التسامح والحس الإنساني المتقبل للآخر. ثانياً، تعليمهم بأنها تعمل على تشجيع النمو السريع للكثافة السكانية المواطنة وعلى تنمية، وتمكين الفئات الشابة من ذكور وإناث وتشبيعهم بحب الوطن وروح العمل الجاد والتسامح والحس الوطني والإنساني. ثالثاً، تعليم المواطنين بأنها تعمل على تشبثهم بثقافة الاعتدال والوسطية وحب بلادهم بعيداً عن التطرف والعنف والأفكار الهدامة، وعلى إبعادهم عن أيديولوجيا الإرهاب وكره الآخرين. رابعاً، تعليم أبناء الوطن على مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون الوطن، والحرص على عدم الانسياق وراء الإعلام المضلل، خامساً، تشبيعهم بفكرة أن بلادهم تحرص على تقوية حس الالتزام بالقانون والنظام. سادساً، تنويرهم بأن دولة الإمارات تعمل على تنويع مصادر الدخل الوطني بالصور والأشكال المشروعة الممكنة كافة في سبيل إسعاد المواطنين والمقيمين على حد سواء، وزيادة مداخيلهم المادية ووسائل عيشهم الكريم.
وفي إطار تنفيذ عمليات جادة تتعلق بإدخال قيم التسامح في التعليم العام، يحتاج الأمر إلى وضع خطط واضحة قابلة للتنفيذ، وأخرى تتعلق بتحديث النظام التعليمي لكي يشمل قيم التسامح التي هي ليست بالمسألة البسيطة، لكن ذلك يحتاج إلى إيجاد مركب مثالي من الموارد النادرة، ورسم سياسات تدخل فيها خيارات تتعلق بالمفاضلة بين أولويات متنافسة وقيم اجتماعية متنوعة ونماذج متعددة للتنمية. وكل ذلك يحتاج إلى اكتشاف ما يحتاجه النظام التعليمي لغرس قيم التسامح والحس الإنساني لدى الناشئة، ومن ثم العمل على تغطيتها وملئها بقيم جديدة تعالج هذا الجانب.
*كاتب إماراتي