فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب إدارته ودول العالم كلها تقريباً بإعلانه سحب قوات بلاده من سوريا، وأعلن بأن المبرر الوحيد لبقاء الجيش الأميركي في سوريا هو إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» الإرهابي.
ويبقى السؤال هو: لماذا الانسحاب الأميركي المفاجئ؟ وما هي مبرراته في الوقت الحالي تحديداً؟ وهل هذه الخطوة ستقود إلى استقرار سوريا، أم إلى دخول المنطقة ككل في عالم المجهول خلال المرحلة القادمة؟
هنالك عدة أسباب للانسحاب الأميركي؛ منها الانتقادات الروسية للسياسة الأميركية، حيث ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية «أن الوجود الأميركي غير قانوني في سوريا، وأنه أصبح عقبة خطيرة أمام التوصل إلى تسوية سورية». الصين بدورها دعت إلى احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وإلى تقرير مستقبل سوريا من جانب الشعب السوري وحده.
الصحافة الغربية من جانبها أكدت أن سبب الانسحاب الأميركي يعود إلى مكالمة تلقاها ترامب من الرئيس التركي أردوغان الذي هدد باستعمال القوة ضد الأكراد في شمال سوريا والعراق!
ويرجع البعض الآخر سبب الانسحاب إلى حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد تسعى إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وقد جاء ذلك الموقف في تصريح على لسان جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص لسوريا، والذي أكد بأن الدول الغربية لن تقدم أي مساعدة للأسد ما لم يغير من سياسته!
وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثمة تحركاً عربياً تقوده تونس والجزائر لتقديم مقترح للجامعة العربية برفع تجميد عضوية سوريا في الجامعة. وقد جاءت زيارة الرئيس السوداني لسوريا مؤخراً لتؤكد هذا التوجه.
هناك إذن توجه عربي لإعادة استيعاب الرئيس الأسد داخل النظام الرسمي العربي، وربما يشارك في القمة الاقتصادية العربية التي ستعقد في العاصمة اللبنانية بيروت.
لكن ماذا يعني الانسحاب الأميركي السريع من سوريا بالنسبة لحلفاء أميركا التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم الأكراد في شمال العراق وسوريا؟ إن التخلي الأميركي عنهم يعني عودة حالة عدم الاستقرار في العراق وسوريا، لاسيما أن تركيا تتخوف من العمليات العسكرية لحزب العمال الكردستاني ضدها، أي أنها ستهاجم المنطقة إذا قام الحزب بأي عملية ضد القوات التركية.
وماذا يعني الانسحاب الأميركي بالنسبة لنا كعرب بشكل عام، وبشكل خاص بالنسبة للمعارضة السورية التي حاربت مع الأميركيين في سوريا ضد إرهاب «داعش»؟
بعض فصائل المعارضة السورية أعلنت أنها لن تحارب إرهاب «داعش» بعد الانسحاب الأميركي. لذلك فالضحية الكبيرة للتردد الأميركي، هي الشعب السوري نفسه، الذي عانى من دكتاتورية نظام الأسد على مدى أربعين عاماً، ومن تحالف نظامه مع النظام الإيراني، وكانت مطالب السوريين بسيطة ومعتدلة تتمثل بإجراء انتخابات حرة، وإنهاء هيمنة «حزب البعث»، لذلك اندلعت انتفاضة الشعب السوري في درعا عام 2011 مطالباً بالحرية ودولة القانون.. فبدأت حملة إبادة للسنة في سوريا، بدعم من الحلفاء الإقليميين والدوليين للنظام.
لقد استطاعت المعارضة السورية الهيمنة على معظم أراضي البلاد، لكن روسيا وإيران والتنظيمات الشيعية في العراق ولبنان وأفغانستان تدخلت عبر مليشياتها العسكرية لإبادة الشعب السوري. واليوم يوجد 12 مليون سوري تم إجبارهم على الهجرة والنزوح، وأكثر من مليون قتيل، علاوة على مئات آلاف الجرحى والأيتام والأرامل.. فكيف يمكن الوثوق بهذا النظام كما تريد أميركا؟