قبل بضعة أسابيع حضرت «منتدى ريجان للدفاع القومي» في مدينة «سيمي فالي» بولاية كاليفورنيا، حيث ناقشت مجموعات متتالية من الخبراء قضايا مهمة مثل حرب المناطق الرمادية، والدفاع عن القاعدة الصناعية، ومستقبل السياسة الأميركية تجاه سوريا. بعد أن حققت القوات الأميركية بعض المكاسب أمام «داعش»، أعلن ترامب أنه يريد الخروج من سوريا، لكن معاونيه أعربوا عن أن هذا قد يمثل خيانة لحلفاء أميركا من الأكراد، وانتصاراً ليس فقط لـ«داعش»، بل أيضاً لروسيا وإيران. واستطاع المعانون إرجاء التنفيذ إلى حين.
وفي سبتمبر، أعلنت الإدارة سياسة جديدة في سوريا مفادها أن نحو 2200 جندي أميركي سيظلون في سوريا إلى أجل غير مسمى مع الإشارة إلى مهمة احتواء إيران وليس فقط إلحاق الهزيمة بـ«داعش»، وأعلن جيمس جيفري وهو دبلوماسي مخضرم عيّنه وزير الخارجية «مايك بومبيو» ممثلاً له في المهمة الأميركية في سوريا أن «السياسة الجديدة معناها أننا لن ننسحب بحلول نهاية العام». وحين سئل إذا ما كان ترامب يقر هذه السياسة، ذكر جيفري «إنني واثق من أن الرئيس يوافقنا على هذا». وقد كان هذا قبل ثلاثة أشهر، لكن ترامب سينسحب الآن فيما يبدو بعد كل هذا، ما لم تستطع وزارة الدفاع التوصل بطريقة ما التوصل إلى إيقاف آخر للتنفيذ.
وكتب ترامب في تغريدة على «تويتر» يوم الأربعاء الماضي، كما لو أنه يعلن إنجاز المهمة، قائلاً، «ألحقنا الهزيمة بداعش في سوريا، وقد كان هذا هدفي الوحيد من البقاء هناك أثناء رئاسة ترامب». ولا يوجد شخص جاد يصدق هذا. لكن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الأميركية، لم يكن بوسعه أن يتكهن بتغريدة الرئيس التالية، أعلن يوم الثلاثاء أن (القوات الأميركية موجودة في الحملة لتحقيق هزيمة دائمة بـ«داعش»، حققنا تقدماً كبيراً في الآونة الأخيرة في الحملة، لكن المهمة لم تتم بعد).
والواقع أن المهمة لم تتم فعلاً. فقد كتبت الأمم المتحدة في تقرير في أغسطس الماضي أن «داعش» مازال لها ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل في العراق وسوريا. وأعمال العنف المنسوبة لـ«داعش» تزايدت في المناطق التي تم «تحريرها». وحذر خبراء من أن «داعش» مستعدة للعودة إلى سوريا. وقد شهدنا من قبل مثل هذا البعث من جديد لهذا التنظيم، فقد كادت الهزيمة تلحق بـ«داعش» عام 2011، حين كانت تحمل باسم «تنظيم القاعدة في العراق» في ذاك الوقت، لكن أوباما أمر بسحب القوات الأميركية من العراق. ولم تمض فترة طويلة حتى عادت الجماعة الإرهابية على أقوى ما يكون لتفرض سيطرة وحشية في منطقة تمتد بين سوريا والعراق.
ومخاطر مثل هذه العودة تتزايد بشكل ملحوظ. وسيجد الحلفاء الأكراد والعرب للولايات المتحدة في قوات «سوريا الديمقراطية» أنفسهم في وضع صعب كي يقاوموا الجماعة بأنفسهم وخاصة مع تهديد الأتراك للأكراد. ومن المرجح أن ينضموا إلى نظام بشار الأسد وحلفائه من إيران وروسيا. وفي وقت مبكر من العام الجاري انسحب ترامب من اتفاق إيران النووي محتجاً بأن الاتفاق كان سخياً للغاية مع طهران، لكن انسحاب القوات الأميركية التي تسيطر على ثلث سوريا يقدم هدية ثمينة لحكام إيران. وترامب يتباهى بأنه أكثر الرؤساء تأييداً لإسرائيل لكن انسحاب الولايات المتحدة من سوريا سيرسخ أقدام إيران على أبواب إسرائيل. وهذا الضرر يتفوق كثيراً على الإجراء الرمزي الأجوف لنقل السفارة الأميركية إلى القدس.

* باحث بارز في دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»