يبدو أن هناك بعض الحقائق المتفق عليها بشكل عام بشأن الاتجاهات الدينية في الولايات المتحدة. فقد ضعفت المسيحية المؤسسية بشكل كبير منذ ستينات القرن الماضي. والكثير من الناس الذين كانوا في الماضي لا يتحمسون للذهاب إلى الكنيسة في أعياد الميلاد والقيامة يعرفون الآن بأنهم «لا دين لهم» أو بأنهم «روحانيين ولكن ليسوا متدينين». أما المؤسسة البروتستانتية الرئيسية فهي مجرد مؤسسة ليس أكثر. وأصبحت المعتقدات والممارسات الدينية الآن تستقطب سياستنا بطريقة لم تكن تحدث قبل عدة أجيال.
ورغم ذلك، فإن نوع الواقع الديني العام الذي يجب تمييزه من كل هذه الحقائق هو غامض بشكل كبير، وهناك العديد من القصص المعقولة حول ما يؤمن به الأميركيون بشكل متزايد في مطلع القرن الـ 21. وأبسط هذه القصص هي قصة العلمانية –حيث تنحي المجتمعات الحديثة الأفكار الدينية جانباً بشكل حتمي لأنها تتقدم في الثروة والعلم والعقل، حيث أصبح تراجع الدين المؤسسي هو مجرد سمة يمكن التنبؤ بها للتحول العام الذي حدث في وقت متأخر من العصر الحديث عن المعتقدات الخارقة للطبيعة. لكن قصة العلمانية غير كافية، لأنه حتى مع التراجع في كنائس أميركا، كاد الباعث الديني أن يختفي. وفي مطلع العقد الأول من القرن الـ 21، أجاب 40% من الأميركيين بـ «نعم» عندما سألهم مركز «جالوب» عما إذا كانت هناك «تجربة دينية عميقة أو صحوة» غيرت مجرى حياتهم، وقد تضاعف هذا الرقم منذ ستينات القرن الماضي، عندما كان الدين المؤسسي أكثر قوة. وبالمثل، استنتج مسح أجراه مركز «بيو» عن العلمانية زيادات في عدد الأميركيين الذين لديهم مشاعر عادية من «السلام الروحي والرفاه». كما أن صمود الدوافع الدينية والخطاب في الحركات السياسية المعاصرة، حتى (أو خاصة) في اليسار العلماني الرسمي، هي سمة واضحة لسياستنا.
لذلك ربما، بدلا من العلمانية، من المنطقي أن نتحدث عن تفكك وشخصنة المسيحية –أن نصف أميركا كأمة من «الوثنيين المسيحيين»، حيث حل معلمو المساعدة الذاتية ورواد الأعمال السياسيين الروحانيين محل الكنائس التقليدية. هذه الأشكال تجمع قطعاً من المعتقدات القديمة، حيث تحذف منها الأجزاء غير المناسبة وتلحق الأجزاء الأخرى بالجماهير الغفيرة ممن يريدون جزءاً من دين الزمن القديم دون أي شيء مثير للقلق أو صعب أو مسرف. والنتيجة هي أمة حيث أفسحت الصحوات البروتستانتية الطريق لظهور صحوة ما بعد البروتستانتية، حيث حكم إنجيل الرخاء والقومية المسيحية اليمين وحكم الإنجيل الاجتماعي المجرد من المضمون اللاهوتي اليسار.
ولهذا أصبحت في الآونة الأخيرة مهتما بالكتب والمناقشات التي تشير إلى أن هناك، أو ربما يكون هناك، مستقبلاً حقيقياً لما بعد المسيحية في أميركا –وأن مصطلح «الوثنية» ربما يعاد إحياؤه بشكل معقول لوصف الديانة الأميركية الجديدة، يكافح حالياً لكي يولد. ويطرح «ستيفن دي سميث»، أستاذ القانون بجامعة سان دييجو، نسخة رائعة من هذا النقاش، حيث يقول إن قدرا كبيراً مما نفهم أنه مسيرة العلمانية هو شيء من الوهم، وأن ما يحدث فعلياً وراء الكواليس في الحرب الثقافية الجديدة هو عودة مفهوم ديني وثني، الذي تم دفنه جزئياً بظهور المسيحية.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»