تخوض الولايات المتحدة حرباً باردة تكنولوجية متصاعدة، وهذه الحرب ليست متمركزة حول الرسوم الجمركية والتجارة، مثلما يكرر الرئيس دونالد ترامب كثيراً، وإنما تتضمن استخدام الصين للتكنولوجيا في الحصول على المعلومات وحيازة التكنولوجيا ذاتها.
وبالطبع، كانت هناك خسائر في هذه الحرب الباردة مني بها كل من الحكومة الأميركية والقطاع الخاص، بما في ذلك تعرض شبكة كمبيوتر مكتب إدارة الموظفين الأميركي للقرصنة من أجل الحصول على تطبيقات المرور الأمني الخاص بموظفي الحكومة الأميركية، ومؤخراً، حدث خرق لنظام الحجوزات في سلسلة فنادق «ماريوت». ومثلما تم تسليط الضوء في لائحة اتهامات أخيرة و«مبادرة صين» جديدة اقترحتها وزارة العدل الأميركية، شاهدنا أيضاً سرقة قدر هائل من التكنولوجيا ذاتها.
وبالطبع، هناك مخاطر شديدة، ففي بداية الأسبوع الجاري، أكد مسؤول رفيع المستوى في مكتب التحقيقات الفيدرالي أمام «اللجنة القضائية» في مجلس الشيوخ أن «العدوان الاقتصادي الذي تمارسه الصين، سيمكنها من أن تحل محلنا كقوة عظمى في العالم».
وشركة «هواوي» المتخصصة في الأجهزة اللاسلكية أضحت من القوى الفاعلة الكبرى في هذه الحرب الباردة. ومنذ عام 2012، تعاملت الولايات المتحدة علانية مع شركة «هواوي» باعتبارها تشكل تهديداً على الأمن القومي الأميركي، مشيرة إلى وجود خطر في السماح باستخدام أجهزتها ضمن شبكات الاتصالات الأميركية؛ وتخشى من أن يتم استغلالها كمنصة للتجسس. وقد بدأت دول أخرى مؤخراً تشعر بالقلق ذاته، ومن بينها أستراليا ونيوزيلندا واليابان وبريطانيا وربما كندا (التي أوقفت مؤخراً المديرة المالية لشركة هواوي بناء على طلب من الولايات المتحدة، والسبب المعلن هو سلوك مرتبط بالعقوبات التجارية الأميركية على إيران).
وتستثمر «هواوي» بقوة في الجيل التالي من تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية، المعروفة بالجيل الخامس، فالسباق الدائر من أجل التفوق يزيد المخاطر، ويجب أن يقلقنا جميعاً. ويرجع ذلك في الحقيقة إلى ثلاثة أسباب على الأقل.
أولاً: ستزيد شبكة اتصالات الجيل الخامس سرعة الاتصالات اللاسلكية بشكل كبير، وهو ما سيمكن المستخدمين، على سبيل المثال، من تحميل فيلم في بضع ثوانٍ. ومن الممكن أن نتخيل أن يتمكن جهاز الاستقبال الرقمي من توفير محتوى للتلفزيونات المنزلية من دون اتصال سلكي أو حتى بالألياف. وستتوافر بيانات هواتف أكثر، وبأسرع من ذي قبل، عبر شبكات الجيل الخامس. ومن يتحكمون في هذه الشبكات، سواء من خلال البرامج أو الأجهزة، سيتحكمون في وصول البيانات، وسيتمكنون من سرقة قدر هائل من المعلومات خلال فترات قصيرة جداً من الوقت.
ثانياً: تعد شبكات الجيل الخامس بزمن وصول أقصر بكثير للخدمة وموثوقية أعلى. وفي حين ركزت الأجيال السابقة من تكنولوجيا الهواتف المتحركة بصورة رئيسة على ربط الناس ببعضهم، ستكون تكنولوجيا الجيل الخامس ملائمة بصورة خاصة لتوصيل الأشياء، لتتيح بذلك تطبيقات لتفادي تصادم السيارات وغيرها والقياس الذكي والمهام الضرورية الأخرى. لذا، فإن السيطرة على شبكات الجيل الخامس يمكن أن يسمح ليس فقط بالتجسس وإنما أيضاً بالتخريب. وحذر قائد وكالة الدفاع السيبراني في الجيش الأسترالي مؤخراً من أن شبكات الجيل الخامس تزيد بشكل كبير من خطر القدرة على تعطيل بنية تحتية محورية عبر هجوم إلكتروني.
ثالثاً: ستؤثر الخيارات التي تتخذها الجهات المتنافسة بشأن معايير شبكات الجيل الخامس على من سيكون لديه فهم أفضل لكيفية تطبيق هذه التكنولوجيا، سواء فيما يتعلق بالسيليكون أو البرامج أو البنية التحتية للشبكات أو للحوسبة السحابية. وأيّاً كان من يمتلك الفهم الأفضل سيكون له السبق اقتصادياً، في كل من الأمن السيبراني وفي توصيل الإشارات والاستخبارات، ويعني ذلك تعزيز اقتصاده وحماية أسراره وسرقة أسرار منافسيه!
و«هواوي» ليست الشركة الصينية الوحيدة التي يعتبرها الأميركيون متورطة في هذه الحرب التكنولوجية الباردة. فقد تم أيضاً تصنيف شركة «زد تي ئي» باعتبارها تهديداً على الأمن القومي الأميركي في عام 2012، ومنذ ذلك الحين انخرطت شركة الاتصالات في سلسلة من حالات إساءة التصرف. وهناك عدد من مصنعي أجهزة الاتصالات على مستوى أصغر في الصين، مثل «أوبو» و«شاومي»، التي تبيع كميات كبيرة الهواتف وتطمح إلى التوسع في أوروبا وغيرها. لذا لا بد من الحذر من هذه الشركات جميعاً.
وكشفت اللجنة الأميركية المعنية بـ«المراجعة الأمنية والاقتصادية حول الصين» في تقرير للكونجرس، أن الحكومة الصينية قد «تجبر الموردين أو المصنعين الصينيين على تعديل المنتجات ليصبح أداؤها دون التوقعات أو لتعطيلها أو لتسهيل التجسس من قبل الحكومة أو الشركات، أو لتهديد سرية أو سلامة أو توافر أجهزة (إنترنت الأشياء) أو أجهزة شبكات الجيل الخامس». وبالطبع هذا الأمر مقلق، خصوصاً في ظل حالة الانحسار النسبي التي تواجهها الشراكات بين القطاعين العام والخاص في الولايات المتحدة.
وقد لا تكون هناك نهاية في الأفق لهذه الحرب الباردة التكنولوجية، لكن من الضروري لأمننا القومي ألا نتخلى عن الميدان، ومن المهم كذلك أن نفوز في معركة شبكات الجيل الخامس. ولفعل ذلك، نحتاج ليس فقط إلى سياسات اقتصادية وتكنولوجية واضحة، وإنما إلى أفضل المهارات السياسية والدبلوماسية والمخابراتية وفي إنفاذ القانون.
ديفيد كريس: مساعد المدعي العام السابق لشؤون الأمن القومي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»