بعد أن أصبحت الهجرة قضية مثيرة للانقسام على نحو متزايد في الولايات المتحدة وأوروبا، هل يمكن للعالم أن يتدخل لمعالجة المشكلة؟
لقد جاء الميثاق العالمي للهجرة الموقع مؤخراً نتيجة عامين من المفاوضات الشاقة بقيادة «لويز آربور»، مفوضة الأمم المتحدة السامية السابقة لحقوق الإنسان. للوهلة الأولى، يبدو الميثاق بمثابة انفراجة مهمة في أوقات الخطابة والسياسات القاسية بشأن المهاجرين، لاسيما أنه يعترف بحقوق المهاجرين والحاجة إلى حماية حقوقهم. ومع ذلك، فلن يتمخض الاتفاق عن تغييرات فورية في الطريقة التي تعامل بها الدول المهاجرين. فما الجدوى من الميثاق إذن؟

لقد طُرِحَ الاتفاق العالمي للمرة الأولى في سبتمبر 2016 عندما اجتمع ممثلو 193 دولة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك لعقد قمة حول الهجرة واللاجئين. وجاءت القمة بعد أن شهد نصف الكرة الشمالي زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يعبرون البحر المتوسط لدخول أوروبا. ورأى الكثيرون في أوروبا أن الوفيات التي تحدث أثناء عبور البحر والزيادة في عدد طالبي اللجوء باعتبارها «أزمة».

ومع وجود 85% من لاجئي العالم في البلدان النامية، وليس في الغرب، هناك أزمة أوسع نطاقاً، لكن ليست معترفاً بها على نطاق واسع. وقد وافقت القمة على إنشاء مسارين للمفاوضات؛ أحدهما للهجرة، والآخر للاجئين. فاللاجئون يعاملون بشكل مختلف بموجب القانون الدولي مقارنة بالمهاجرين، إذ يفرون خوفاً من التعرض للاضطهاد.
ويتضمن المشروع النهائي للاتفاق، الصادر في يوليو 2018، بعض الانفراجات الملحوظة. فقد أكدت الدول مجدداً على التزامها بحماية حقوق الإنسان للمهاجرين واللاجئين «بغض النظر عن وضع الهجرة الخاص بهم». وتعد هذه خطوة كبيرة، لكن الدول تتردد في الاعتراف بحقوق المهاجرين، ولا توجد معاهدة دولية لحقوق المهاجرين تعادل تلك الخاصة باللاجئين.
وتمثل المسودة النهائية فوزاً صغيراً للأشخاص المتضررين من التغير المناخي، إذ تشجع الدول على ضمان حصولهم على المساعدات الإنسانية واحترام حقوقهم. كما يؤكد الميثاق على أن الهجرة «مصدر للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة».
بيد أن الاتفاق العالمي ينقصه أمر؛ فهو أول معاهدة دولية حول الهجرة يتم إبرامها في إطار الأمم المتحدة. ومع ذلك، فإنها ليست اتفاقية دولية ملزمة تحمي حقوق المهاجرين. لذلك ينطوي الاتفاق على ثلاث نقاط ضعف: الأولى أنه منقسم بين التأكيد على حقوق المهاجرين والتأكيد على سيادة الدول. والثانية أنه ليس قانوناً دولياً صارماً، بل «إطاراً تعاونياً غير ملزم من الناحية القانونية». وهدفه الأساسي رمزي، أي إظهار أن البلدان يمكنها تحديد مجالات للتعاون في مجال الهجرة. والثالثة انسحاب عدد من اللاعبين المهمين من المفاوضات، حيث أعلنت السفيرة الأميركية «نيكي هالي» أن بلادها لن تشارك فيه. ثم أعلنت أستراليا والمجر وسويسرا وإسرائيل والنمسا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا وإيطاليا.. مقاطعتها القمة النهائية في مراكش.
ويتقاسم العديد من قادة العالم مخاوف مماثلة لتلك التي عبر عنها الرئيس ترامب. فمثلاً قال وزير الشؤون الداخلية الأسترالي: «لن نسلم سيادتنا، لن نسمح لكيانات غير منتخبة بأن تملي على الشعب الأسترالي».
وذكرت الحكومة النمساوية أن توقيع الميثاق، حتى وإن كان غير ملزم، قد يؤدي في نهاية الأمر إلى الاعتراف بـ«حق الإنسان في الهجرة».
ومن ناحية أخرى، فإن الدول لا تريد سن قوانين دولية جديدة لحماية المهاجرين، ورفضت محاولات لتوسيع نطاق القانون الدولي ليشمل المهاجرين.

*أستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكينز

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»