منذ ستينيات القرن الماضي، يرسم «الجمهوريون» صورة للديمقراطيين تتفاوت في درجة الرهافة والحدة، وتمتد من اعتبارهم يمثلون الحزب المتهاون في المسائل الدفاعية وحزب المجرمين المدللين غير الوطنيين. وتفاصيل صحيفة الاتهام تغيرت لكن الاتجاه العام من احتقار «الليبراليين» والقلق منهم باعتبارهم تهديداً للأميركيين العاديين ظل ملمحاً ثابتاً بشكل ملحوظ. إنها واحدة من المعتقدات القليلة التي يشترك فيها معظم «الجمهوريين».
والرئيس ترامب نقل هذا الاستياء وضخمه بدرجة تخرق طبلة الأذن. فقد أخذ يصرخ بأن «الديمقراطيين غير أميركيين» و«أشرار» و«غوغاء غاضبون من الجناح اليساري وعازمون على تحويل بلادنا إلى ديكتاتورية اشتراكية مفلسة مثل فنزويلا». و«الجمهوريون» البارزون رددوا صدى هذا الخطاب المتطرف بدلاً من شجبه. فقد صرح «نيوت جينجريتش» الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي أن «الديمقراطيين» يريدون «تدمير أميركا». وإذا كان المرء يعتقد أن المعارضة تشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة فمن المفهوم أن يكون مستعداً لخرق بعض القواعد ليقاتلهم. ومفاهيم مثل نزاهة الممارسة والدماثة والأعراف الديمقراطية، بل وحكم القانون، قد تبدو أموراً خارجة عن السياق، ولا تطاق في معركة ضد نسل الشياطين.
وهذا ينقلنا إلى الهجوم «الجمهوري» على الديمقراطية في نورث كارولاينا ويسكونسن وميشيجن، وفي واشنطن، وهو الأهم. فقبل عامين، انتزع «الجمهوريون»، المسيطرون على المجلس التشريعي في نورث كارولاينا، السلطات المحورية من حاكم ديمقراطي انتخب حديثاً. وهذا النهج طُبق في ويسكونسن وميشيجان. وفي كلتا الولايتين اُنتخب مجلس تشريعي يسيطر عليه «الجمهوريون» بفضل تلاعب في رسم حدود الدوائر الانتخابية. فقد فاز «الديمقراطيون» في ويسكونسن بنسبة 54% من أصوات الولاية لكنهم لم يحصلوا إلا على 36 من 99 مقعداً في الجمعية التشريعية. وبناء عليه جرد «الجمهوريون» حكام الولايات «الديمقراطيين» الجدد من السلطات المهمة.
وهذا النهج «الجمهوري» يوحي بأنهم يعتبرون الليبراليين والملونين في المناطق الحضرية «أقل أميركية» من الجمهوريين البيض في الريف. وينم أيضا عن استعلاء شعبوي يستمدونه من الاعتقاد بأنهم يتحدثون عن الناس «الحقيقيين» الذين يغتصب الأغراب والصفوة إرادتهم. ومن المؤكد أن «الديمقراطيين» ليسوا أبرياء تماماً من انتهاك الديمقراطية. فقد جرد المجلس التشريعي الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون في ولاية ماساشوستس الحاكم الجمهوري حينذاك من سلطة ملء مقعد شاغر في مجلس الشيوخ الأميركي ثم أعادوا هذه السلطة إلى حاكم ديمقراطي. لكن مات جلاسمان من جامعة جورجتاون جادل بأن الحزبين ليسا متساويين في هذه الممارسات غير النزيهة. فقد تحرك الجمهوريون نحو اليمين بشكل أكبر مما تحرك الديمقراطيون نحو اليسار.
*باحث في دراسات الأمن القومي في «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»