قمة التعاون التاسع والثلاثين عُقدت، يعني نجحت من دون النبش في نسبة النجاح ولا في التمثيل القَطَري المتدني رغم أن الملك سلمان أرسل الدعوة إلى أمير قطر مثله كبقية القادة المبجلين.
نقول لو لم تحضر قطر، كانت القمة ستعقد وهو الإجراء الصحيح لأن القمة ليست مِلك دولة واحدة وإنما قمة قلوب أهل الخليج المتوحِّد حتى ولو في إطار السياسات المختلفة.
الآن ندخل إلى صلب مجلس التعاون ونلقي الضوء على ما صرح به أمينها العام الزياني قبل انعقاد القمة بفترة وجيزة وأهم ما ورد فيه: - «دول الخليج تمكَّنت، وفي غضون سنوات قليلة، من إنجاز عدة ملفات نوعية مشتركة، من أهمها المواطنة الاقتصادية الخليجية، والسوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الجمركي، والاتحاد النقدي، ومشروع الربط الكهربائي.
- نحن في طريقنا لإنجاز مشروع تنموي استراتيجي طموح يتمثل في السكك الحديدية التي ستربط دول المجلس من مسقط إلى الكويت بشبكة تمتد لمسافة 2200 كيلومتر.
- العملة الخليجية الموحدة هو أحد المشروعات الاقتصادية المهمة في مسيرة دول المجلس، ويتولى متابعته المجلس النقدي الخليجي، وقطع المجلس شوطاً مهماً في استكمال الإجراءات الفنية الخاصة بإقرار العملة الموحدة وإصدارها.
- فخورون بما حققه التعاون الدفاعي المشترك بين دول مجلس التعاون، وهو يتم وفق نهج مدروس وشامل بفضل توجيهات ومتابعة وزراء الدفاع بدول المجلس.
- مجلس التعاون تبنى استراتيجية خاصة للشباب، وهذه الاستراتيجية تأتي في إطار الجهود التي تبذلها الوزارات والهيئات المختصة بشؤون الشباب في دول المجلس لتوفير البيئة الملائمة وإعداد البرامج المناسبة لإبراز قدرات الشباب وطاقاتهم وفق منهج علمي مدروس وخطط وبرامج متناسقة تحقق الأهداف المنشودة».
ما أريد قوله إن البعض «المؤدلج» ظنّ وطنّ ورن، بأن أزمة قطر هي نهاية مجلس التعاون، وها هو يجتمع مرتين، لأنه لم ينشأ من أجلها، بل من أجل درء الخطر عن الخليج وشعبه الأغر.
أكثر من سنة وأصحاب الأجندات المختطفة تراهن وتداهن إيران وغيرها لضرب الإسفين في هذا العمل الجماعي المشترك وهو خلاصة ما خرج القادة بالاتفاق على المزيد من تعزيز هذا العمل وليس تقويضه كما يتمنى البعض المرتهن بأجندة الخارجين عن إطار التعاون والبحث في الدفع بالمزيد من سبل التهاون بهذا المجلس الذي أنقذ الخليج من براثن إيران وتدخلاتها الفجة في شؤون المنطقة.
ولقد أكد معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، على هذا التعزيز في تويتره بعد عقد القمة بقوله: «من غير المستغرب أن يخرج علينا الإعلام الإيراني والعربي التابع له هذا الصباح وينعى مجلس التعاون للمرة الألف، ومن وجهة نظر أبناء الخليج أن المؤسسة باقية وناجحة ولن تفوضها هذه الأزمة أو تلك. رسائل النعي تمنيات تعبر عن إحباطاتهم». وفي يوم انعقاد القمة غرد قرقاش أيضاً معبراً عن نجاح هذه القمة قائلاً: «إن قمة الرياض ناجحة في ضمان العمل المستمر لمنظمتنا الإقليمية. السوق المشتركة التي تم إنشاؤها غيرت بشكل إيجابي المشهد الاقتصادي والاجتماعي للخليج. بالرغم من أزمة قطر، فإن عملنا مستمر».
ومن غرائب سلوك النظام القطري أنه قبل عقد القمة بأيام أعلن عن انسحابه من «أوبك» للذهاب بعيداً للتوهان في صحارى الأسواق المفتوحة. والأكثر غرائبية في أبواق قناة «الجزيرة» التي بدأت تروج لأمرين الأهمية الاستراتيجية لانسحاب قطر من منظمة «أوبك» وأنها سوف تزيد من إنتاجها للنفط من ستمائة برميل حالياً إلى سبعة ملايين برميل في المستقبل القريب، كيف يمكن جيولوجياً القفز بهذا الرقم فور إعلانها الانسحاب من «أوبك» وكأن المنظمة هي السبب المباشر في منعها من القيام بهذه القفزة البهلوانية منذ عقود.
أما الأمر الآخر فهو عودة الحديث عن انسحابها من مجلس التعاون من جديد وهو ما روّجت له منذ اليوم الأول للمقاطعة، وهي ما لم تقم بها عملياً، فمن يمنع ساستها عن القيام بهذه الخطوة بعد مرور أكثر من عام على مقاطعة الدول الأربع. وهي صاحبة سابقة الانسحاب التاريخي من الاتحاد التساعي في ستينيات القرن الماضي، فلم ينتظر قطار الاتحاد السباعي قطر، بل مضى اليوم قرابة خمسة عقود على انطلاقه، وها هو اتحاد الإمارات يعبر بقطار سرعة انطلاق الرصاصة نحو المستقبل في العام 2071 لرؤية مئويتها الباهرة.
*كاتب إماراتي