توالت مناسبتان على أرض شبه الجزيرة العربية أفعمتا النفوس بالاطمئنان إلى وجود عمق استراتيجي عربي يتمتع بمقومات القوة الشاملة، قادر على تقديم المساندة لكافة أقطار أمتنا إذا ما تعرضت لعدوان خارجي في هذا الزمن الذي تتزايد فيه الأطماع الفارسية في أقاليم العرب. كانت المناسبة الأولى احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بالذكرى السابعة والأربعين لتأسيس الاتحاد، والذي تزامن مع مئوية مؤسس الاتحاد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه.
أما المناسبة الثانية فكانت انعقاد الدورة التاسعة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي في الرياض.
إن المناسبتين تبرزان حالة اتحاد وتضامن تعزز الأمن العربي في كافة الأقطار العربية. فاتحاد دولة الإمارات يمثل التجربة الوحدوية الوحيدة التي أثبتت نجاحها في التاريخ الحديث للعالم العربي، وهو اتحاد مرت عليه قرابة نصف قرن، وهو ينتج كل يوم نجاحاً جديداً، حيث تحولت التجربة إلى دولة قوية طورت وتطورت قواها الشاملة وبنيتها الأساسية على نحو يواكب آخر إنجازات الحضارة العالمية المعاصرة على نحو مطرد.
إننا نرى مزيجاً رائعاً من الإبداع يظهر في ربوع دولة الإمارات متمثلاً في النهوض بكافة مقومات الدولة، المادية والبشرية والمعنوية، على النحو الذي وضع أساسه وتطلع إليه حكيم العرب ومؤسس الاتحاد. ومن المهم أن نلاحظ أن قيادة الدولة تمكنت على مر السنين من تحقيق طفرة في تنمية أهم عنصر لازم للتقدم الحضاري، وهو عنصر القوى البشرية الوطنية، فكونت كوادر سياسية واقتصادية وإدارية وعسكرية وعلمية وتكنولوجية وثقافية وإعلامية.. على مستوى رفيع، ومكنتها من تحصيل التعليم الراقي في أهم جامعات العالم وأكاديمياته. إنها كوادر تدفع الدولة إلى ارتقاء سلم التطور الحضاري في جميع مناحي الحياة التي تزداد تألقاً وتقدماً كل عام، وهو ما يعزز الثقة في قدرة دولة الإمارات على الاستثمار الأمثل لمواردها الطبيعية وموقعها الجغرافي.
إن المكانة العربية والإقليمية والدولية التي حققتها دولة الإمارات تعكس تنامى قوتها الداخلية من ناحية، كما تعكس حكمة قيادتها السياسية في بناء شبكة من العلاقات الدولية البناءة والمثمرة الممتدة شرقاً وغرباً على امتداد البسيطة، من الصين شرقاً إلى الولايات المتحدة الأميركية غرباً.
إنه من المستحيل أن تغفل عيوننا ونحن نرصد هذا النجاح الداخلي والخارجي المستمر والمطرد، عن تسجيل الفضل لمؤسس هذه التجربة الناجحة. وهنا لابد من استحضار كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والذي قال إن الشيخ زايد كان وسيظل واحداً من قادة معدودين في تاريخ البشرية كانت همتهم بحجم آمال أمتهم، كان الاتحاد مشروع عمره ورسالته في الحياة وكان بالنسبة له فعل إيمان يتمثل مبادئ شريعتنا الغراء ويستلهم قيم أسلافنا العليا ويقوى بالصفحات المشرقة في تاريخ العرب والمسلمين.
إن دور حكيم العرب والأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان في قيام مجلس التعاون الخليجي، يؤكد أنه كان زعيماً لم يتوقف طوال حياته عن التفكير في توحيد قوى العرب ضمن أُطر مؤسسية تضمن استمرار اللحمة والتضامن في حماية الكيان العربي وصد أي أطماع خارجية تهدده، وهو ما تبدى واضحاً في كل المحطات التي مر بها مجلس التعاون الخليجي.

*أستاذ الدراسات العبرية -جامعة عين شمس