إلى أين تتجه الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب في ضوء سياساته التي ينتهجها، وفي ضوء الأسلوب الذي يعتمده في إدارة الشؤون العامة؟ تعددت الإجابات على هذا السؤال داخل أميركا وخارجها. إلا أن كل الإجابات تلتقي حول أمر أساسي وجوهري، وهو أن ما يحدث ليس مجرد تغيير سياسي، بل تجاوز ذلك ليصبح تغييراً في المنهج.. وتالياً في الهدف. ولكن إلى أين؟ صدرت عدة دراسات سياسية تحاول الإجابة عن هذا السؤال. ولعل من أهمها وأجرأها الكتاب الجديد لـ«بنيامين كارتر هات»، أستاذ العلوم التاريخية في جامعة «هانت» الأميركية وعنوانه: «موت الديمقراطية: صعود هتلر إلى السلطة وسقوط جمهورية وايمر». ووايمر هو اسم الجمهورية الألمانية قبل هتلر ونازيته.
المؤلف لاحظ أن النازية في الأساس كانت حركة وطنية ضد العولمة، وربما هذا يشبه الاتجاهات التي أدت لفوز ترامب. وأنها رفعت شعار طرد الأجانب من البلاد للتخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية التي كانت تواجهها ألمانيا، وهو ما فعله ويفعله ترامب أيضاً. وقال الكاتب إن تلك الحركة تطورت بعد ذلك لتدعو إلى وجوب قيام ألمانيا باحتلال المناطق التي تحتاج إليها حتى يتعافى اقتصادها، وذلك بمعزل عن الدول الأخرى. وينسب المؤلف إلى وزير الإعلام النازي الجنرال «جويلز» قوله «إننا نحتاج إلى بناء جدار. جدار يحمينا». وكأن المؤلف يريد هنا أن يذكّرنا بالجدار الذي يبنيه ترامب على طول الحدود مع المكسيك. وكذلك بسياساته الاقتصادية ضد دول الجوار (كندا والمكسيك) وحتى ضد الاتحاد الأوروبي.
ويضيف المؤلف إلى ذلك أن هتلر لم يعزو الأزمة التي كانت تواجهها بلاده إلى تراجع الاقتصاد الألماني في حينه، ولكنه حمّل اليهود المسؤولية، واتهمهم بتنفيذ مخطط دولي يستهدف ألمانيا. ويشير الكاتب كذلك إلى البرنامج النازي الذي صدر عام 1930، والذي نص على وجوب «طرد جميع الأجانب من غير المواطنين، أي من غير الألمان».
والمحور الأساس الذي كان الصراع يدور حوله في المناسبتين السياسيتين في ألمانيا والولايات المتحدة هو الديمقراطية المريضة -في ألمانيا- والديمقراطية المتعثرة في أميركا.
ويعزو المؤلف مرض الديمقراطية الألمانية في حينه إلى عجز الرئيس الألماني «هندينبرغ» وإلى مبادرته إلى التحالف مع الحركة النازية الصاعدة على أمل تشكيل أكثرية تحت رئاسته. فكانت النتيجة أن النازيين حصلوا على 37 بالمائة من الأصوات في الانتخابات العامة، وتجاوزوا الرئيس واختاروا هتلر بدلاً عنه. وقد مات هندينبرج في العام التالي 1934 مهموماً. وهذا يذكّرنا المؤلف أيضاً بردّ فعل قسم كبير من الرأي العام الأميركي –الذين دغدغت مشاعرهم الشعارات الوطنية المبالغ فيها – فتخلوا عن الحزب «الديمقراطي» بعد انتهاء ولايتيْ أوباما، ثم كان انتخاب ترامب بديلاً عنه. صحيح أنه لا تصح مقارنة أوباما بالرئيس الألماني هندينبرج، إلا أن الصحيح هو أن كلا منهما وقع في خطأ حساباته السياسية، وساهم خطأ كل منهما في ولادة الحالة الهتلرية في ألمانيا، والحالة الترامبية في الولايات المتحدة، على ما بين الحالتين من اختلافات ومن تباينات جوهرية، إلا أن القاسم المشترك بين الحالتين يتمثل في وصول تيار شعبوي إلى السلطة، وفي تراكم التداعيات السلبية لذلك على الديمقراطية وعلى النظام العالمي.
* كاتب لبناني