تكره إدارة الرئيس ترامب العِلم، وإن لم تصرح بذلك، غير أن سيطرتها على الحكومة لا تزال محدودة، فلم تتوسع بما يكفي لمنع إصدار تقييم المناخ الوطني، الذي يفصل التأثيرات المستقبلية الراهنة والمتوقعة في المستقبل للاحترار المناخي على الولايات المتحدة. وعلى رغم من أن التقرير صدر يوم عطلة عيد الشكر، ومن الواضح أن ذلك كان أملاً في ألا يلاحظه أحد، لكن النبأ السار هو أن هذه الخدعة لم تنطل على أحد. ويؤكد التقييم على وجه اليقين، مع كثير من التفاصيل الإضافية، ما يعرفه بالفعل أي شخص متابع للعلوم المناخية، وهو أن التغير المناخي يمثل تهديداً خطيراً على الدولة، وقد بدأنا نشعر ببعض من تأثيراته العكسية. فعلى سبيل المثال، يسلّط التقرير، الذي كُتب قبل كارثة حرائق كاليفورنيا الأخيرة، الضوء على مخاطر متزايدة بحدوث حرائق غابات في جنوب غرب البلاد، واحترار عالمي، وأنه لا علاقة بالإخفاق في جرف أوراق الشجر بأن الحرائق أضحت أكبر وأشد خطراً.
وعلى رغم من ذلك، ستتجاهل الإدارة الأميركية، وحلفائها في الكونجرس، هذا التحليل، ذلك أن إنكار التغير المناخي، مهما كانت الأدلة، أضحى مبدأ «جمهورياً» راسخاً. ومن الجدير أن نحاول فهم كيفية حدوث ذلك، والانحراف الشديد الذي ينطوي عليه إنكار التغير المناخي في هذه المرحلة.
ولكن أليس من الصعب وصف الأمر بأنه «انحراف»؟ أليس للناس الحق في الاختلاف مع الآراء الدارجة، حتى إذا كانت هذه الآراء مدعومة بإجماع علمي؟
بالطبع، يحق لهم ذلك، طالما أن حججهم التي تقف وراء هذا الاختلاف مبنية على حسن النية، لكن المشكلة في أن هناك منكرين للتغير المناخي نواياهم ليست حسنة. وإنكار العلم من أجل التربح والحظوظ السياسية أو إرضاء الذات ليس أمراً ملائماً، وعندما يكون الإخفاق في التصرف على أساس علمي ستكون له تبعات مروّعة، فإن الإنكار مثلما أشرت هو «انحراف».
ولعل من أفضل الكتب التي قرأتها مؤخراً حول قضية التغير المناخي هو «تأثير مستشفى المجانين» لمؤلفه «مايكل مان»، وهو عالم مناخ بارز. ومثلما يوضح «مان»: «إن منكري التغير المناخي يقتفون في الحقيقة أثر منكري العلم الأولين، بقيادة الحملة الدعائية الطويلة من قبل شركات التبغ لتشويش الشعب حول مخاطر التدخين».
والحقيقة الصادمة هي أنه بحلول خمسينيات القرن الماضي، كانت هذه الشركات تعلم تماماً أن التدخين يسبب سرطان الرئة، لكنها أنفقت مبالغ طائلة لإظهار أن هناك جدلاً حقيقياً حول هذا الارتباط. وبعبارة أخرى، كانت تلك الشركات تعلم أن منتجها يقتل الناس، لكنها حاولت منع الناس من فهم هذه الحقيقة بحيث يمكنها الاستمرار في جني الأرباح.
ومن طرق شتى، يحاكي إنكار التغير المناخي في الوقت الراهن إنكار السرطان في ذلك الوقت. فالشركات ذات المصالح المالية، وفي الحالة الراهنة شركات الوقود الأحفوري، هي المحرك الرئيس لإنكار التغير المناخي. ويمكنني القول إن القلة المعروفة من العلماء الذين أعربوا عن تشككهم في التغير المناخي قد تلقوا مبالغ طائلة من تلك الشركات.
لكن إنكار التغير المناخي له جذور سياسية ممتدة بدرجة أعمق مما امتدت جذور إنكار سرطان الرئة المرتبط بالتدخين. فمن الناحية العملية، بات من غير الممكن أن يكون الشخص «جمهورياً» في وضع جيد ما لم ينكر حقيقة احترار المناخ العالمي، ويؤكد أن له أسباباً طبيعية، أو يصرّ على أنه لا يمكن القيام بأي شيء تجاه التغير المناخي من دون تدمير الاقتصاد. وعليك أيضاً إما أن تقبل أو تذعن للمزاعم الجامحة بأن الدليل الدامغ على التغير المناخي هو مجرد مبالغة، وأنه مختلق من قبل مجموعة عالمية متآمرة من العلماء.
ولكن كيف يمكن لأي شخص أن يتقبل هذه الأمور؟ والإجابة الأساسية عن هذا السؤال هي: المال. فجميع منكري التغير المناخي البارزون لهم علاقة بشركات الوقود الإحفوري! لكن تلعب الأيديولوجية دوراً مهماً كذلك: فإذا كنت تأخذ القضايا البيئية على محمل الجد، فإن ذلك سيقودك إلى الإيمان بضرورة وضع تنظيمات حكومية، لذا لا يرغب المؤدلجون المؤمنون بالسوق الحرة في تصديق أن المخاوف البيئية حقيقية.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»