لا تصدقوا أننا في الولايات المتحدة لا نزال نعيش في دولة ديمقراطية فاعلة. لأننا لسنا كذلك، إذ يفعل «الجمهوريون» في أنحاء البلاد كل ما بوسعهم لعرقلة وتغيير وتجاوز سلطة التصويت الشخصي. ويشكل ذلك ضربة في قلب الديمقراطية، فهو يقوّض ثقة الناس فيها ويفرّغها من مضمونها حتى تصبح شيئاً آخر على خلاف ما هي عليه. ويوم الأربعاء الماضي، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الجمهوريين» نجحوا في تحقيق رغبتهم: فقالت الصحيفة: «بعد ساعات من الاجتماعات الغريبة خلف الأبواب المغلقة التي استمرت حتى بعد منتصف الليل، مرّر مجلس الشيوخ في ويسكونسن الساعة 4:30 صباح يوم الأربعاء، حزمة قوانين بأغلبية صوت واحد مخصصة لعرقلة صلاحيات القادة (الديمقراطيين) المنتخبين حديثاً».
وولاية «ويسكونسن» ليست وحدها، فقد أفادت «واشنطن بوست» يوم الاثنين الماضي، بأنه (في ميتشجان، حيث فاز (الديمقراطيون) الشهر الماضي بمناصب الحاكم والمدعي العام ووزير الخارجية، أقرّ المشرعون «الجمهوريون» الأسبوع الماضي إجراءات من شأنها تقليص سلطة شاغلي هذه المناصب). وتغيير هيكل السلطة في أي ولاية لتحجيم نفوذ المسؤول الفائز في حزب معارض لم يكن أبداً شيئاً أتصور أنني سأراه في أميركا، لكن لسوء الحظ ليست هذه هي المرة الأولى التي نراه. وهذه ليست المرة الأولى التي يفعل فيها «الجمهوريون» ذلك. وفي 2016، دفع «الجمهوريون» المجلس التشريعي في كارولينا الشمالية إلى تقييد سلطة الحاكم «الديمقراطي» المنتخب. وكتب «كيفن درام» مقالاً رائعاً عن ذلك في دورية «ماذر جونز» عنونه: «الجمهوريون تخلوا عن الالتزام بما يسمى الانتقال السلمي الكامل للسلطة».
ولا تقتصر ميول «الجمهوريين» المناهضة للديمقراطية على انتقال السلطة، وإنما تمتد إلى مجالات أخرى مثل الجهود المستميتة من أجل سنّ قوانين تقمع الناخبين بداية من قوانين بطاقة هوية الناخب إلى تطهير كشوف الناخبين، وتقليص نوافذ التصويت المبكر، إلى جانب هندسة الدوائر الانتخابية على نحو يصب في مصلحة الحزب «الجمهوري». وحتى فيما يتعلق بالنقاش الدائر حالياً حول الهجرة، يتعلق الأمر بالنسبة لـ«الجمهوريين» بالناخبين المستقبلين أكثر مما يتعلق بالسلامة أو المجرمين أو السخافات الأخرى التي يستخدمونها عادة لمعارضة الهجرة.
فالمهاجرون عادة ما يميلون إلى تأييد الحزب «الديمقراطي»، وحسبما أفاد مركز «بيو» للأبحاث في عام 2013: «من بين جميع المهاجرين من أصول لاتينية ممن يحق لهم التصويت، يفوق عدد (الديمقراطيين) منهم (الجمهوريين) بفارق كبير، إذ تبلغ النسبة 54 في المئة لصالح «الديمقراطيين» مقابل 11 في المئة فقط لـ«الجمهوريين».
ولهذا السبب تعتبر الهجرة قضية حساسة جداً بالنسبة لليمين، ولهذا السبب يستطيع دونالد ترامب استغلالها: فالهجرة، قانونية وغير قانونية، تمثل خسارة للسلطة السياسية لـ«الجمهوريين»،
وإذا لم يتمكن الحزب «الجمهوري» من الحفاظ على السلطة في النظام الديمقراطي الأميركي، فإنه سيقوض الديمقراطية، بحيث يمكن تعزيز سلطته بتقليص سلطة التصويت الديمقراطي.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»