يبدو أنصار إسرائيل من الأميركيين في وضع صعب، فالرأي العام يتغير، وهناك قوى فاعلة كثيرة تتحدى إسرائيل علانية، ولا تؤدي الأساليب العنيفة والقاسية التي نجحوا في استخدامها في الماضي، من أجل إسكات أي انتقاد، سوى إلى تأزم الوضع. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك:
قبل بضعة أسابيع، أعلنت شركة «إير بي إن بي» لتأجير العقارات عبر الإنترنت، أنها ستتوقف عن إدراج العقارات المعروضة للإيجار في الضفة الغربية المحتلة. وكان رد الفعل في إسرائيل، وبين أنصارها في الولايات المتحدة، هيستيرياً كما هو متوقع. فقد وصفوا الإجراء التي اتخذته الشركة بأنه «معادٍ للسامية». وأعلنت إسرائيل أنها ستطبق قانون «مكافحة المقاطعة» بحظر «إير بي إن بي» من العمل في أي مكان داخل الدولة العبرية. وأفاد بعض القادة السياسيين في الولايات المتحدة بأنهم سيمارسون ضغوطاً على بعض الولايات الأميركية التي سنّت تشريعاً يجرِّم مقاطعة إسرائيل من أجل اتخاذ إجراء مماثل ضد «إير بي إن بي».
وقرار «إير بي إن بي» وردود الفعل عليه موحيان، إذ يستحضران عدداً من القضايا التي تكشف بالتحديد ما آل إليه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الوقت الراهن. وفي بعض الأحيان لكي نرى القضية بوضوح، لابد أن نردها إلى جوهرها. وفي هذه الحالة، يقدم لنا الحاخام اليهودي المعروف «شميولي بوتاتش» مثالاً لجوهر المزاعم الإسرائيلية ضد «إير بي إن بي» من خلال إعلان على صفحة كاملة في إحدى الصحف الأسبوع الماضي. وعلاوة على اختزال القضية الإسرائيلية إلى جوهرها، كشف «بوتاش» أيضاً عن غرابتها.
وجاء عنوان الإعلان المكلف الذي نشره الحاخام على النحو التالي: «إير بي إن بي: معادية للسامية»، وزعم زوراً أن الشركة قد «أقصت اليهود ومارست ضدهم تمييزاً، وتعمدت معاقبة السكان اليهود في الضفة الغربية بناء على عرقهم ودينهم». ويتهم الرجل «إير بي إن بي» بازدواجية المعايير، لأنها لم تمتنع عن إدراج العقارات الإيجارية في أراضٍ أخرى محتلة، وقدم أمثلة على ذلك بـ«قبرص التي تحتلها تركيا»، و«شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا» و«التيبت التي تحتلها الصين»، (وفي ذلك اعتراف ضمني مثير للاهتمام بأن إسرائيل هي محتلّ بصحبة دول أخرى محتلة). ويختتم الإعلان بشعار أسود بارز يقول: «مقاطعة إسرائيل معاداة للسامية».
والإعلان بأسره تشويه متعمد للواقع، ذلك أن «إير بي إن بي» لا تقاطع إسرائيل أو اليهود، فالشركة لا تزال تدرج العقارات الإيجارية في تل أبيب، ومجموعة من المدن الإسرائيلية الأخرى، ولا تزال تدرج العقارات التي يمتلكها يهود في أماكن كثيرة أخرى من العالم. لكن ما قررت الشركة فعله هو عدم إدراج العقارات المملوكة لمستوطنين يهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أما بالنسبة لزعم إسرائيل بأن شركة «إير بي إن بي» مذنبة بازدواجية المعايير، لأن الشركة تواصل إدراج العقارات في أراضٍ أخرى محتلة، فهناك أمران ينبغي توضحيهما: الأول أن الشركة أكدت أنها بصدد تقييم كيفية التعامل مع العقارات المدرجة في أراضٍ محتلة حول العالم، والثاني: أنه في الحالتين المشار إليهما من قبل «بوتاتش» ليس ثمة دليل على أن تلك العقارات مملوكة لمستوطنين يعيشون في مشاريع تم تطويرها بصورة غير شرعية على أراضٍ صادرها الاحتلال.
والحملة ضد «إير بي إن بي» ليست سوى مجرد مثال حديث، وهناك مثال آخر حدث الأسبوع الماضي فقط، فقد تزايدت الضغوط على شبكة «سي إن إن» الإخبارية لحملها على إقالة أحد معلقيها السياسيين، هو «مارك لامونت هيل». وكل جُرم «هيل» أنه قام بزيارة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث شارك في «اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني» الذي ترعاه الأمم المتحدة سنوياً. وبعد عودته تحدث عن تفصيل الانتهاكات لحقوق الفلسطينيين كما شاهدها بنفسه، واختتم حديثه بدعوة إلى «فلسطين حرة من النهر إلى البحر».
ورغم أن «هيل» في تصريحاته كان يدعو إلى العدالة وإلى حقوق متساوية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن أنصار إسرائيل سارعوا إلى تقمص دور الضحية وبادروا بالهجوم عليه، واتهموه بـ«التحريض على العنف»، و«الدعوة إلى إبادة جماعية»، و«التشجيع على معاداة السامية». وبدلاً من دحض هذه الاتهامات الغاضبة والدفاع عن معلقها، أذعنت «سي إن إن» وأقالت «هيل». وبعد ذلك بوقت قصير، اتهم رئيس مجلس أمناء جامعة «تيمبل»، التي يعمل فيها «هيل» أستاذاً، الرجل بنشر «خطاب الكراهية» ولوّح بإمكانية فصله من عمله في الجامعة أيضاً.
قرار شركة كبرى احترام القانون الدولي ومطالبة معلق تلفزيوني بالعدالة، ليسا سوى نموذجين لتحول المشهد السياسي المتغير في الولايات المتحدة، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع تأييد إسرائيل بين الشعب الأميركي.
وعلى أي حال، من المهم الإشارة إلى أن الأفراد والشركات مثل «مارك لامونت هيل» و«إير بي إن بي»، ينالون ثناءً أكثر من مما يعرضون لانتقادات بسبب وقوفهم في وجه المتنمرين.
ولا يزال الكفاح من أجل العدالة مستمراً. ورغم استمرار التحديات، يبدو أن هناك منعطفاً لصالح الدفاع عن القضية الفلسطينية.