بعد مضي نحو ثماني سنوات على الثورة التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تمكنت تونس من استكمال مراحل الانتقال السياسي، وقطعت شوطاً في مسيرة تحقيق الديمقراطية، ولكنها لاتزال تحتاج إلى الكثير لتمكين الاقتصاد التونسي من استرجاع عافيته وتحقيق معدلات نمو مقبولة، في ظل استمرار التهديدات الإرهابية، وتفاقم العجز في مالية الدولة، وارتفاع انفاق القطاع العام على الوظائف الحكومية، وانخفاض الانفاق الاستثماري على تمويل المشاريع التنموية، وإغراق البلاد في الديون وأعبائها، التي أصبحت تهدد بتدهور سعر صرف الدينار، في ظل استمرار عدم استقرارالوضع الاجتماعي، وارتفاع نسبة البطالة مع تراجع فرص العمل، فضلاً عن مخاطر الاقتصاد الموازي الذي أطاح بمحافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري، عقب إدراج الاتحاد الأوروبي تونس في «قائمته السوداء» التي تضم الدول الأكثر عرضة لمخاطر عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والمعتمدة من المفوضية الأوروبية، استناداً إلى توصيات مجموعة العمل المالي الدولية (غافي).
لاشك في أن عمليات تبييض الأموال، تؤثر على أداء مكونات الاقتصاد الكلي، خاصة إذا واكبها وجود اقتصاد خفي يتضمن أنشطة اقتصادية غير مشروعة، تهدد الشفافية الدولية والقُطْرية في أسواق المال مما يضعف مصداقيتها وينال من سمعتها، وهي تعود في الوقت عينه إلى الاستثمار في الأصول المحفوفة بالمخاطر، كما أن هذه العمليات تؤثر على توزيع الدخل بين فئات المجتمع، ومن الطبيعي أن يسهم تطور هذا النشاط في التأثير سلباً على مسيرة الاقتصاد التونسي، لاسيما أنه يُسفر عن خسائر قدرت بخمسة مليارات دينار (نحو ملياري دولار)، وهو يشغل نحو 520 ألف مواطن، ويمثل 23 في المئة من حجم التشغيل في القطاع الخاص، حتى أن التجارة «الموازية»، أصبحت تمثل 53 في المئة من الناتج المحلي الخام، مقابل 19 في المئة فقط عام 2010، وتبلغ حالياً أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
المحافظ الحالي للبنك المركزي مروان العباسي، وصف هذا الواقع بمثابة «المعضلة»، وتعهد باتخاذ إجراءات صارمة للحد من الاقتصاد الموازي الذي ينهك اقتصاد البلاد، مؤكداً «ضرورة تجاوزها، لإعادة التوازن لمجموعة من المؤشرات الاقتصادية». لقد واجهت تونس خلال السنوات الماضية عدة مؤشرات سلبية، وتلقت حكومتها سلسلة انتقادات وتحذيرات من صندوق النقد الدولي الذي مدها بالقروض لدعم مسيرتها في الانتقال السياسي بشكل ديمقراطي، وطالبها بتغيير سياستها المالية، خصوصاً لجهة «تركيب نفقات الموازنة»، التي تدهورت، مسجلة زيادة كبيرة في كتلة الرواتب والأجور، وهي تمثل نحو 55 في المئة من النفقات العامة في الموازنة السنوية. مع العلم أن اعتمادها على الاقتراض لحل مشاكلها المالية والاقتصادية، أسهم في مضاعفة حجم ديونها من 13,7 مليار دولار في العام 2010 _(قبل الثورة) إلى أكثر من 30 مليار دولار حالياً، وتعادل نحو 73 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وتوقع الصندوق أن ترتفع إلى 93 في المئة عام 2020. وبما أن معظم هذه القروض لم توظف في تمويل مشاريع التنمية القادرة على توفير فرص العمل أمام أكثر من 630 ألف عاطل عن الشغل، فقد أسهم ذلك بدوره في تراجع معدلات النمو من 3,5 في المئة إلى 2,5 في المئة في العام الحالي. وعلى رغم أن موازنة العام 2019 تحمل عحزاً يقدر ب 3,9 في المئة من الناتج المحلي، وتضخماً يزيد معدله عن 7,8 في المئة، تأمل الحكومة تحقيق معدل نمو 3,1 في المئة،استناداً إلى سلسلة إجراءات اقتصادية ومالية.