في الثلاثين من نوفمبر 2018 توفي رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق جورج هيربرت ووكر بوش «بوش الأب» عن عمر ناهز 94 عاماً بعد مسيرة حافلة بالإنجازات على المستويين الشخصي والوطني. ولد بوش الأب في 12 يونيو 1924 في ميلتون - ماساتشوتس. كانت طفولته سعيدة، فقد درس في أكاديمية فيليبس المميزة في أندوفر - ماساتشوتس. ولما نشبت الحرب العالمية الثانية، عوضاً عن الذهاب إلى الجامعة بعد دراسة الثانوية انضم إلى سلاح البحرية الأميركية، ولأنه تخرج من أكاديمية فيليبس بعد ستة أشهر من هجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر أصبح بوش الأب أصغر ضابط طيران هجومي في الحرب سناً، وبعد انتهاء الحرب تم قبوله في جامعة «يل» التي تخرج منها في أقل من ثلاث سنوات بدرجة في الاقتصاد.
بوش الأب هو الرئيس الواحد والأربعون للولايات المتحدة، وقبل ذلك كان صاحب شركة نفط خاصة وخبيراً نفطياً، وعمل مديراً لوكالة المخابرات المركزية «سي. آي. إيه» وسفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة وجمهورية الصين الشعبية. وفي فترة سابقة كانت قد أنتخب عضواً في الكونجرس كنائب «جمهوري» عن ولاية تكساس. وعلى المستوى الأسري بوش الأب والد لخمسة وجد لسبعة عشر حفيداً، وجد أكبر لثمانية من أبناء الأحفاد، وهو شخصية مهمة من تراث عائلته السياسي، فوالده كان عضواً في الكونجرس وابنه جورج دبليو بوش «بوش الابن» رئيساً للبلاد لولايتين متتاليتين ما بين عام 2001 وعام 2009، وابنه الأصغر جيب حاكماً لولاية فلوريدا.
وعمل بوش الأب لفترتين متتاليتين كنائب للرئيس رونالد ريجان، ثم أصبح أول رئيس يتم انتخابه مباشرة بعد أن خدم كنائب للرئيس، وذلك منذ عام 1836، لكن فترته كرئيس لم تستمر لفترتين وانحصرت في أربع سنوات فقط، حيث خسر معركة إعادة انتخابه أمام بيل كلينتون عام 1992. ما يهم عرب الخليج في مسيرة بوش الأب السياسية هو دوره المشهود في حرب تحرير الكويت، فقد كان هو رائد تحريرها من الغزو والاحتلال، وكرئيس، كان نجاحه الأكبر على صعيد السياسة الخارجية، حيث تمكن من العلاقات التي طورها لنفسه كنائب للرئيس، بالإضافة إلى ماضيه كدبلوماسي، وعندما غزا العراق الكويت في الثاني من أغسطس 1990، نظر بوش الأب إلى العدوان على أنه تهديد خطير لمصالح الولايات المتحدة في الخليج العربي والمنطقة العربية، فقام بالعمل السريع على تشكيل تحالف دولي. وجعل الأمين العام للأمم المتحدة يطلب من العراق الانسحاب الفوري.
وعلى إثر ذلك قام مجلس الأمن بالسماح باستخدام القوة إذا لم ينسحب العراق، وأرسلت الولايات المتحدة ما يزيد على نصف مليون جندي في أوج الاستعداد للمعركة للمشاركة فيها لأن الرئيس الراحل بوش الأب أراد ذلك بكل صدق ومودة.
وعندما رفض العراق الانسحاب، تمكن بوش الأب من تحييد موقف الاتحاد السوفييتي السابق من العراق، ومن إقناع الكونجرس بتفويضه باستخدام القوة. وفي اليوم الذي انتهت فيه المهلة التي منحها مجلس الأمن للعراق، قام بوش الأب بتدشين العملية العسكرية «عاصفة الصحراء»، التي كانت عبارة عن 6 أسابيع من القصف الجوي المتواصل، على مدار الساعة، يتلوها مائة ساعة من الهجوم البري الكاسح، ما أدى إلى هزيمة الجيش العراقي وخروجه من الكويت في أسوأ عملية انسحاب غير منظم في التاريخ، تحطمت فيها القوات واحترق معظمها على طريق العودة إلى العراق.لذلك، فإن الكويتيين والخليجيين يرثون الرئيس بوش الأب في وفاته مثلما كانوا شاكرين له في حياته على تعامله مع القضية التي كان يمكن لها أن تكون شائكة لولا تدخله وعمله الدؤوب، ووحدة الصف التي أبداها مع دول المجلس أثناء التخطيط والتنفيذ للهجمات.
فوداعاً يا صديق الكويت وعرب الخليج وليلهم الله أهلك وذويك الصبر والسلوان.
*كاتب إماراتي