هناك أشياءٌ كثيرة سنفتقدها بخصوص الرئيس جورج بوش الأب، فرئيسنا الحالي مختلف جداً عن بوش. وشخصياً، آملُ ألا تضيع القيم التي جلبها بوش إلى مسيرته السياسية المتميزة في الخدمة العامة. فالخصال التي ميزت بوش خالدة لا تموت، وأعتقدُ أنها ستظهر في الحياة السياسية الأميركية من جديد. وكزعيم وإنسان، سيظل بوش قدوة لنا لوقت طويل، لكنه -ومن عدة نواح- كان آخر رجال عهدٍ ولى وانقضى.
وإذا كان ثمة شيء يشبه «يدا إلهية» توجّهنا، فإنه من المحتمل أن الله اختار أن يجعل بوش رئيساً لنا خلال هذه الفترة الدقيقة من التاريخ الأميركي. فقد كان القائدَ الذي قاد الولايات المتحدة بحنكة إلى فترة ما بعد الحرب الباردة، وكان هو من سلّم المشعل إلى جيل جديد من الرؤساء المولودين خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وكموظف في البيت الأبيض في عهد ريجان، وفي حملة بوش الرئاسية عام 1988، وفي البيت الأبيض خلال عهده، رأيتُ أيضاً بوش وهو يواجه تحولات في الحياة السياسية الأميركية. كان يعتقد أن السياسة، أو على الأقل الظروف السياسية المحيطة بالحملات الانتخابية، عمل موسمي وقذر، بمعنى أنه غير لائق. فأن تكون رجلاً نبيلاً ولا ترد على الهجمات، كان ذلك أمراً مستحيلاً في بعض الأحيان. والحملات الانتخابية يمكن أن تتطلب أن تكون سلبياً، فتسلّط الضوء على أخطاء خصمك وعيوبه، وأحياناً تحرّف مواقف خصمك وتصريحاته. وبوش لم يكن يحبّ أياً من هذه الأشياء، ولم يكن يجيدها في الواقع، ولهذا فقد قاوم أن يكون في «وضع الحملة الانتخابية»، مثلما كان يصفه. لكنه كان واقعياً، وكان تنافسياً، وكان يريد الفوز.
في عام 1988، كنتُ نائباً لـ«لي آتووتر» عندما كان مديراً لحملة نائب الرئيس بوش وقتئذ. بوش كان يعلم أنه بحاجة إلى أشخاص مثل آتووتر وروجر آيلز، لكنه كان يرى أنه لا ينبغي استخدامهما إلا عند الحاجة قبيل الانتخابات ببضعة أشهر. فحاول إبقاءهما تحت أنظاره. الكثير من الجهد بذل خلال حملة 1988 في محاولة تسويق بوش على الإعلانات ومبادرات أخرى تستهدف خصومه وتعبئة الناخبين برسائل قوية. والحق أن بوش كان رجلا نبيلاً وناضجاً. فلم يكن يحب الجوانب الخشنة من الحملة الانتخابية، ولم يكن يحب تكتيكات الحملة الميكيافيلية التي كثيراً ما تصبح شخصية وغير أخلاقية. لكني لا أعتقدُ أن بوش استطاع توفيق رغبته في دولة ألطف وأطيب وأسلوب حملة 1988 الذي مكّنه من الفوز في الانتخابات.
الكثير سيُكتب هذا الأسبوع عن بوش وكياسته وكرمه، وعلينا ألا ننسى حقيقة أن آخر عمل كريم صدر عنه ربما كان موجهاً إلى الرئيس الحالي. فبوش يَعتبر أن من غير الممكن إقصاء رئيس من التعبير عن تقديره واحترامه لرئيس سابق. ولا شك في أن حرص بوش على مشاركة الرئيس الحالي في جنازته، برغم اختلاف معاييرهما، يشي بالكثير عن خصال الرجل وشيمه.
إن الرئيس بوش الذي كان لي حظ العمل بالقرب منه ورؤيته عن كثب، ربما لم يكن ليأمل شيئاً اليوم أكثر من أن يُساهم الحشد الذي سيلتئم بمناسبة جنازته، بشكل ما، في تقوية الرئاسة، وفي أن تذكّرنا ذكراهُ ليس بالصفات المهمة فحسب، ولكن أيضاً بالخصال الشخصية التي تميّز أفضل الرؤساء.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»