كزعيمٍ طمح إلى تحويل الإمارات العربية المتحدة إلى بلد متحد وقوي ومعتدل، كان لدى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه إيمان قوي بقدرات شباب بلاده. وكان على يقين بأن الشباب الإماراتي، رجالا ونساء، يدرك المسؤوليات الملقاة على عاتقه، وسيعمل بجد وإخلاص حتى يكون في مستوى ثقته به من أجل مستقبل مشرق للبلاد. وفي غضون بضعة عقود، كان عند حسن ظنه به بالفعل عندما حقّق حلمه في تحويل التضاريس الصحراوية للبلاد إلى أرض تنتشر فيها ناطحات السحاب، وتسجل متوسط دخل فرد يضاهي المستويات الموجودة في دول أوروبا الغربية المتقدمة. بيد أن ثروة الإمارات التي تحتفل هذه الأيام بيومها الوطني السابع والأربعين، لا تأتي من ثروتها النفطية الكبيرة فحسب، ولكن أيضا من تنويعها الناجح لمصادر الثروة بفضل اهتمامها بالخدمات المهنية، والخدمات المالية، وازدهار القطاع التكنولوجي وغيره، ما منحها امتيازات وأفضلية مهمة على دول أخرى في المنطقة، ولتتبوأ بذلك مكانةً متميزة كقطب إقليمي لعدد من الأنشطة.
وعملاً بالكلمات الحكيمة للشيخ زايد من أن «كل تقدمٍ في دولة الإمارات العربية المتحدة هو تقدمٌ لكل العرب، وكل نهضةٍ في هذا البلد تضيف رصيداً جديداً إلى أمتنا العربية»، لا تألو القيادةُ الحالية جهداً لتحويل الإمارات إلى نقطة ربط مهمة في طرق التجارة العالمية، وما فتئت تعمل على توسيع قدراتها في إعادة التصدير من أجل تسهيل التجارة مع القارات النامية والمتقدمة. ولم يكتفِ البلد بتحقيق نجاح في ذلك فحسب، ولكنه متقدم أيضاً على مستوى المنطقة بخصوص توفير بيئة أعمال تنافسية للتجارة. وفي هذا الصدد، يُعد جبل علي أولَ منطقة تجارة حرة في المنطقة إذ يضم اليوم 7300 شركة دولية، وبلغت قيمة التجارة الخارجية غير النفطية فيه 80.2 مليار دولار. ومافتئت المنطقة تعمل على إعادة صياغة نموذج العمل حتى تظل وجهةً تنافسية ومربحة وجذابة على صعيد الإقليم.
وعلاوة على ذلك، يتطور المشهد التكنولوجي في الإمارات اليوم بسرعة كبيرة. كما يتطور بسرعة كقطب لتطوير مصادر الطاقة المتجددة. وفي هذا الإطار، تمتلك أبوظبي محطة «شمس» التي تمتد على مساحة 2.5 ميل مربع وتُعد أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم. كما تحتضن أبوظبي مقر «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، ما يعكس الاعتراف العالمي المتزايد بالإنجازات التي حققتها الإمارات العربية المتحدة في تطوير الطاقة المتجددة.
وتحت القيادة الرشيدة، حققت الإمارات إنجازات مذهلة أيضاً في مجال الاقتصاد الرقمي حتى أصبحت البلاد واحدةً من أكثر الاقتصادات الرقمية تقدماً في العالم، محتلةً المرتبة السابعة عشرة ومتقدمةً على دول مثل ألمانيا ونيوزيلندا وإيرلندا وفرنسا واليابان، من بين اقتصادات متقدمة أخرى كثيرة. كما تُعتبر الأولى في العالم العربي من حيث مؤشرات التنمية البشرية، بما يعكس اعتمادها للتكنولوجيات الرقمية من أجل تحقيق تطور في الممارسات الحكومية، ونماذج الأعمال، والمجتمع بشكل عام. هذا وقد تركت مشاريع مثل «مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ» والقمر الاصطناعي «خليفة سات»، الذي يُعد أول قمر اصطناعي إماراتي لرصد الأرض، بصمات إماراتية في مجال استكشاف الفضاء. وفي هذا الإطار، تقدم ثلاثة آلاف إماراتي بطلبات ليصبحوا رواد فضاء، ربعهم من النساء.
إسهام المرأة كشريك أساسي في بناء مستقبل البلاد يُعتبر إنجازاً آخر حققته الإمارات بدعم كبير وتشجيع قوي من القيادة الرشيدة. وتشكّل المؤسسات والبرامج المتبصرة، مثل «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين» و«الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2015-2021»، إطاراً للمؤسسات والمنظمات الحكومية في تطوير برامج عمل لتمكين النساء في كل المجالات. والنتائج واضحة للعيان اليوم، إذ هيمنت النساء الإماراتيات على قائمة أقوى مئة امرأة عربية في 2017. واليوم، تخدم النساء الإماراتيات في مجالات متنوعة كانت تقليدياً حكراً على الرجل، سواء في القوات المسلحة أو الجمارك أو الشرطة. كما تشكّل النساء حالياً 66 في المئة من موظفي القطاع العام في الإمارات مقارنةً مع متوسط معدل عالمي يبلغ 48 في المئة.
وفضلا عن ذلك، تمثّل المبادرات في مجالات الأمن الإقليمي وإرساء الاستقرار وإعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الحروب دليلًا آخر على سعي قيادة البلاد الشابة لضمان منطقة تنعم بالأمن والسلام والاعتدال. وخلال السنوات الأخيرة، عمل جيش الإمارات العربية المتحدة إلى جانب الولايات المتحدة في محاربة المتطرفين الإسلاميين والتنظيمات الإرهابية في عدد من البلدان مثل سوريا وليبيا. وهو الطريق الذي خطّه مؤسس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، عندما قال: «هؤلاء المتطرفون هم أبعد ما يكون عن الإسلام. الإسلام عن كل ما يدعون به بريء، وهم لا يستحقون رحمة أو شفقة لأنهم لا يرحمون أحدا». ولهذا، فمن أجل تحصين الشباب المسلم البريء وحمايته من السقوط فريسة لتلك العناصر المتطرفة، ما انفكت دولة الإمارات العربية المتحدة تعمل على نشر رسالة سلام وتسامح وتعايش بين المجتمعات المسلمة من خلال منظمات مثل «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة» و«مجلس حكماء المسلمين». كما توجد الإمارات في مقدمة البلدان المانحة للمساعدات الإنسانية، وتنفق أكثر من أي دولة أخرى على المساعدات المخصصة للتنمية في البلدان الأخرى.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي