تحتفل الإمارات غداً بـ«يوم الشهيد».. فكيف يُنْظر إليه في إطار السياق العام لثقافة الاستشهاد على المستويين العربي والإسلامي؟ تُدْرك الشعوب المُسْلِمة، جميعها، أهمية الشهادة لجهة اتساع معناها، خاصة حين يتعلق الأمر بالدين بالنفس والمال والعِرض، وهذه المقاصد كلها لا يمكن الحديث عنها إلا بوجود فضاء جغرافي، يختصر في الأرض، لكن هل يمكن الدفاع عن الأرض دون وجود للدولة في منظومتها الأيديولوجية والقانونية والعسكرية، أي دون وجود وطن له سلطة حاكمة، بغض النظر عن نمطها وطبيعتها وعلاقتها بجبهتها الداخلية، وتفاعلها سلباً أو إيجاباً، تحدياً أو استسلاماً، رفضاً أو قبولاً مع القوى العالمية الأخرى سواء أكانت دولاً، أو تكتلات كبرى فاعلة على مختلف الأصعدة؟
بالطبع لا يمكن الحديث عن الدولة دون وجود لنظام أو سلطة حاكمة، وتجارب البشر عبر قرون بَيَّنت أن تطور السلطة، والوعي بالمسؤولية، وضيق أو اتساع الحريات في حياة البشر، وما نظمته الكتب السماوية وما تبعها من أفهام جاذبة أو منفرة.. كل تلك تجارب أسَّسَت وعمَّقت مفهوم الدولة وما فيها من سلطة حاكمة، ولأنه في حالات كثيرة يتعذر التفريق أو الفصل بين سلطة الدولة وسلطة الحاكم، فإن الولاء يصبح مطلباً وواجباً لدرجة يصبح الدفاع عن الوطن هو بالأساس دفاع عن النظام الحاكم فيه، والجدل الدائر أحياناً على مستوى الخطاب السياسي لجهة الفصل بينهما، هو نوع من التنظير، الذي لا يؤسس لعلاقة سوية، وهو مُنصَبٌّ بالأساس على حرب ضد الأوطان من الغزاة أو الدخلاء، وهو لا يعني بالضرورة الخلافات الداخلية، سواء السلمية منها أم التي تحولت إلى عنف ثم إلى حرب أهلية، وأدت إلى انهيار الجبهة الداخلية على غرار ما يحدث في بعض دولنا العربية اليوم.
لقد انتشرت «ثقافة الاستشهاد» عربياً في مرحلة أولى من عصرنا باعتبارها عملاً جهادياًّ بُطولياً من أجل تحرير الأوطان، وعلى الرغم من أنها تخص الأوطان بالأساس، إلا أنها كانت ذات طابع قومي، لنعد قراءة تفاعل العرب حكومات وشعوب من الخليج إلى المحيط مع الثورة الجزائرية، أو مع القضية الفلسطينية، ومع الحروب العربية المتتالية ضد العدو الصهيوني.. اليوم بتغير المعطيات، بل وبتغير الفكر السياسي العربي، وإدراك قادته على أن ما يزلزل أركان الدولة الوطنية هو ذلك العداء المستفحل لدى التيارات الدينية لكل ما له علاقة بالأوطان والقوم، أصبح من الضروري أن تكون الأولوية هي الدفاع عن الوطن ومكتسباته في إطار ثقافة الاستشهاد، وهذا في حقيقته ليس خياراً ولكنه ضرورة.
وعلى خلفيّة ما سبق ذكره، يمكن لنا فهم ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: «يوم الشهيد يمثل مناسبة عزيزة على قلب كل مواطن إماراتي يعيش على هذه الأرض الطيبة، التي نبذل في سبيل حمايتها الغالي والنفيس، ولا نتردد أبداً من أجل صيانة أمنها واستقرارها..» أَلَيْس الأمن بهذا المعنى لنا جميعا؟.. وهذا يعني أن الشهداء في دفاعهم عن الوطن هم في نهاية المطاف يحمون الأوطان ومكتسباتها بعد أن انتُهكت، في عدد من دولنا العربية الكبيرة والصغيرة.