لا يزال بإمكاننا في دولة الإمارات العربية المتحدة تقديم المزيد من المفاجآت والإنجازات التي تبهر العالم، في توقيت يجعل اسم الوطن الإماراتي يحلق عالياً ويشار إليه بالبنان، وبخاصة أن العالم يمر بقلاقل وظروف يعجز معها الكثيرون عن إضافة المزيد إلى منجز البشرية في الحضارة والبناء والتعايش.
وبالإضافة إلى رصيد الدولة في الأرقام التنافسية العالمية في مختلف المجالات، وأحدثها مؤشرات قوة الجواز الإماراتي، استطاعت الدولة أن تقدم نموذجاً جديداً ومشرقاً لإمكانية التميز المتواصل في عالم يشهد الكثير من الصراعات والتوترات والانكفاء والتراجع عن الطموحات، فيما ارتفع صوت التطرف والتزمت، لكنه لم يجد له مكاناً على أرض التسامح والتعايش والتنمية المستدامة والرؤية المستقبلية لمواجهة التحديات.
واتساقاً مع اختتام أعمال القمة العالمية للتسامح المنعقدة في دبي الأسبوع الماضي، والتي ركزت على بحث سبل إحلال السلام في العالم وترسيخ أرضية للتعايش بين مختلف الأديان، تعزز هذا الحدث العالمي البارز بآخرَ نظمته العاصمة أبوظبي تحت عنوان ملتقى تحالف الأديان لأمن المجتمعات، والذي ناقش التهديدات التي تواجه فئة الأطفال في عصر التقنيات الحديثة.
وبالتوازي مع الحدثين تم إطلاق مبادرة إماراتية جديدة ومدهشة سيكون لها أثرها الإيجابي على المستوى الدولي، لاتسامها بالرقي والتسامح، وكونها تعمل هي كذلك على ترجمة المواقف الإماراتية إلى أفعال. حيث دشن مطار أبوظبي «غرفة العبادة متعددة الأديان»، ومهمة هذه الغرفة إتاحة الفرصة للمسافرين عبر مطار أبوظبي الدولي من مختلف الأديان والمعتقدات أداء شعائرهم الدينية. ولا شك أنها خطوة جديرة بأن تضاف للمبادرات الإماراتية المتفردة التي تحقق للدولة قصب السبق والريادة والتميز، وبذلك تكون الإمارات أول دولة عربية تتبنى مثل هذه الخطوة الحضارية.
إن لغة الأرقام التي تتحدث دائماً عن ملايين المسافرين الدوليين الذين يستخدمون شبكة مطارات الدولة تستدعي تطبيق هذه المبادرة في كافة مطارات الدولة لخدمة المسافرين من مختلف الأديان. لأن التحدي الذي نسابق الزمن لكي نكون عند مستواه هو أن الإمارات أصبحت من المراكز العالمية التي تستقطب المسافرين من كافة الثقافات والمعتقدات الإنسانية، مما يتطلب المواكبة الدائمة للتطورات، لأن حركة السياحة العالمية إلى جانب احتياجها الحماية والأمن، تتطلب كذلك توفير بيئة التسامح والتعايش الديني. وجاءت خطوة مطارات أبوظبي لتمثل رسالة إنسانية ومرآة تعكس نهج الإمارات التي تمثل بانفتاحها منارةً للحريات الدينية.
والهدف من «غرفة العبادة متعددة الأديان» هو ترجمة جهود الدولة لصالح تعزيز نهج التسامح بين مختلف الثقافات والمعتقدات، وبما يتلاءم مع التنوع الاجتماعي والديني الذي تتمتع به الإمارات.
نفخر كذلك بامتلاكنا رصيداً تنافسياً يتمثل في مجموعة مبادرات ذات أفق عالمي، نجحت الإمارات عبرها في الانتقال من مرحلة الاستشراف والتخطيط إلى العمل على أرض الواقع لترجمة الرؤى الحكيمة للقيادة. وكل ما تتبناه السياسة الإماراتية يجد طريقه للتطبيق العملي، وبذلك تتحول الأفكار والتشريعات إلى برامج عمل يتم تجسيدها على أرض الواقع. ونعتبر أن مراعاة حقوق الآخرين من مختلف الأديان في التعبد أبرز مثال على الرؤية الإماراتية المبكرة للتسامح وحرية الاعتقاد والتعايش بين الأديان والثقافات.
لم يكن خيار الإمارات في انتهاج التسامح والتواصل الحضاري الإيجابي بين الثقافات الإنسانية مجرد ترف أو استعراض إعلامي، بل إن تقديم أنموذج حضاري في منطقتنا العربية لتعزيز السلام والتعاون بين البشر والقبول بالآخر، أصبح ضرورة ملحة، وبخاصة في ظل محاولات الآخرين تسويق صورة سوداوية تتعمد تشوية المشرق العربي ومنطقة الخليج تحديداً. كما أن الإمارات من خلال أنشطتها الاقتصادية والسياحية الكبرى أصبحت ملتقى إنسانياً معاصراً، تتوافد إليها وتعبر مطاراتها مختلف الجنسيات العالمية، بالإضافة إلى أن الدولة تضم بين جنباتها من المقيمين نحو 200 جنسية. لذا فإن التمسك بقيم التسامح والتعايش يقتضي تحويل تلك القيم إلى برنامج عمل وسلوك مطلوب بالضرورة، لكي تترجم المبادرات التشريعات القانونية التي تكفل حقوق كافة الأطياف الثقافية والدينية التي تتعايش في الإمارات، بما تمثله من بيئة جاذبة ومثالية للسياحة والسفر والإقامة والاستثمار.

*كاتب إماراتي