تنطلق اليوم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، فعاليات الدورة الأولى من ملتقى «تحالف الأديان لأمن المجتمعات: كرامة الطفل في العالم الرقمي»، ويستمر حتى يوم غد الثلاثاء. وينطوي هذا الملتقى الفريد من نوعه، الذي يشارك فيه 450 شخصاً يمثلون مختلف الأديان في العالم، على أهمية كبيرة، ليس فقط لأنه يتزامن مع «اليوم العالمي للطفولة»، الذي يصادف العشرين من نوفمبر من كل عام، ولكن أيضاً لأنه: أولاً، يهدف إلى إثراء الحوار ومواجهة ومناقشة التحديات الاجتماعية الخطيرة التي تواجهها المجتمعات المعاصرة، حيث سيعالج الملتقى عدداً من القضايا وعلى رأسها قضية إساءة معاملة الأطفال عبر الإنترنت. ويسعى ثانياً إلى تعزيز الجهود المشتركة لمختلف الدول والمؤسسات والهيئات التي تتبع الديانات المختلفة. ويعمل ثالثاً على الخروج بأفكار موحدة لتعزيز حماية المجتمعات، وخاصة النشء من جرائم الابتزاز عبر العالم الرقمي ومخاطر الشبكة العنكبوتية.
ومن المعروف أن التطور التكنولوجي الهائل الذي حققته البشرية، خاصة في مجال المعلومات والبيانات، له آثار إيجابية وأخرى سلبية على حياة الأفراد والمجتمعات، ومن بين إيجابياته، أن التطورات التكنولوجية أتاحت نقل المعلومات بشتى أنواعها بسرعة وبكل يسر وسهولة إلى أكبر شريحة ممكنة من الناس في العالم، كما خلقت مجتمعات عابرة للحدود، حيث يستطيع الناس من مناطق ودول مختلفة التواصل، بل وحتى التعاون وإقامة برامج وأنشطة مشتركة عبر هذه الوسائل، وقد أوجدت ما يمكن أن نسميه مجتمعاً عالمياً، وفتحت المجال واسعاً أمام الناس من شتى بقاع الأرض للتواصل وتبادل المعلومات، وكذلك للتعبير عن دعمهم وتعاطفهم مع بعضهم بعضاً، بينما سهّلت نشر وتعزيز قيم التسامح والقبول بالآخر، ولكنها بالمقابل تساهم في انتهاك خصوصيات الأفراد والاستغلال، ومن أخطر سلبياتها خاصة على الأجيال الناشئة، أنها مصدر لنشر الأفكار المتطرفة والهدامة وغيرها من المفاهيم والقيم التي تضر بالأطفال والمجتمع وتؤدي إلى إضعافه وربما تفكيكه، كما قد تستخدم للترويج للعنف بشكل عام، هذا فضلاً عن تأثيراتها الصحية على الأطفال، وهناك الكثير من الدراسات التي تحذر من تأثيرها في التركيز لديهم، كما تساهم في نشر العديد من أشكال التجارة غير الشرعية مثل تجارة البشر والأطفال، وتجارة المخدرات والأسلحة وغيرها من أشكال التجارة المخالفة للقوانين الدولية، وتشير التقارير المختلفة إلى زيادة استغلال الأطفال عبر الإنترنت وبالذات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بسبب سهولة الاشتراك فيها واستخدامها، ويمثل هذا كله مخاطر حقيقية على المجتمعات وفيه انتهاك صارخ لحقوقهم وحقوق الإنسان بشكل عام، هذا فضلاً عن أنها تساهم أحياناً في نشر القيم الأخلاقية بين النشء والشباب، حيث تعج هذه الوسائل بالمواد غير المقبولة أخلاقياً بما فيها الإباحية، وما يمثله ذلك من مخاطر على الأجيال الجديدة.
وبرغم كل الجهود المبذولة، سواء على المستوى التقني المتعلق بتطوير آليات لحماية المجتمع، وخاصة الأطفال من مخاطر الإنترنت، أم على المستوى القانوني الذي يجرّم أفعال الاستغلال والإساءة، أم المستوى السياسي المتعلق بالخطط الحكومية والقرارات الهادفة لحماية الفئات الأكثر تأثراً ومنها الأطفال، فإن المشكلة تتفاقم، خاصة مع التطور المتسارع الذي يشهده العالم الرقمي. ومن هنا تزداد أهمية مثل هذا الملتقى، ولا شك أن اختيار ملتقى يضم أبرز الشخصيات الدينية في العالم له دلالات خاصة، ذلك أن رجال الدين لهم تأثير كبير في قطاع واسع من الناس، وهم يلعبون دوراً مهماً في حماية المجتمعات ودعم العائلات والأطفال وحمايتهم من الأذى والاستغلال، وبالتالي وجب تعزيز مشاركة رجال الدين وتمكينهم من تعزيز جهود مكافحة الإساءة للأطفال واستغلالهم عبر الإنترنت.
ـ ـ ـ ــ ـ ـ ــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.