تعلو أصوات بعض المستعجلين بين فينةٍ وأخرى باعتبار الإرهاب قد انتهى والأصولية قد فنيت والتطرف قد زال، وهي آراء تحتفي بالإيجابيات والتغييرات التي تقودها الدول العربية في الإمارات والسعودية ومصر تجاه حركات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب، ولا تنظر لبقية الصورة ولا الزمن المطلوب لتحقيق ذلك.
وللتذكير بشكلٍ سريعٍ، فقبل يومين قامت فتاة شيشانية بتفجير نفسها بالقرب من مركزٍ للشرطة في العاصمة غروزني، ومع ندرة العمليات الإرهابية في الشيشان مؤخراً لكنها ما زالت تحدث بين الفينة والأخرى، والأمر أشد في أفغانستان، حيث لم تتوقف التفجيرات والاغتيالات من قبل حركة «طالبان» الإرهابية بل هي تتصاعد بين حينٍ وآخر.
وفي العالم العربي، يبدو العراق هو الأوضح في مواجهة نشاطات تنظيم «داعش»، فعلى الرغم من الهزيمة النكراء للتنظيم في سوريا، فإنه لم يزل له جيوبٌ يتحرك فيها في غرب العراق، وعلى طول الحدود مع سوريا، وفي الداخل السوري، فقد قام التنظيم قبل أسبوعٍ بالتحديد بعملية اغتيالٍ لتسعة أشخاصٍ ضمنهم ضابط بالحشد العشائري السُني، والأربعاء الماضي كشف رئيس الوزراء أن المئات من أعضاء التنظيم في دير الزور بسوريا يسعون لدخول العراق، والتنظيم يتحرك من كردستان إلى المناطق الغربية للعراق بشكلٍ مثيرٍ للاستغراب.
وفي مصر لم يزل تنظيم «ولاية سيناء» الوارث لتنظيم «أنصار بيت المقدس» يعمل في سيناء، وعلى الرغم من النجاحات الأمنية المتواصلة للأمن المصري فإنه لم يزل يعمل ويقوم بالتفجيرات والاغتيالات التي من آخرها اغتيال طبيب مسيحي في عيادته، وفي ليبيا الوضع أكثر سوداويةً، حيث لم تزل التنظيمات الإرهابية المسلحة تؤثر في الأمن والسياسة على حدٍ سواء مدعومة من قطر وغيرها، وتعيق أي حلولٍ سياسيةٍ هناك، والأوضاع هناك لا تختلف كثيراً عن الأوضاع في الصومال.
هذا غيض من فيض، لأسبوعٍ واحدٍ فقط وبجولةٍ سريعةٍ على الأخبار دون تقص استقصاء ناهيك عن الإرهاب الشيعي المرتبط بالنظام الإيراني من «حزب الله» في لبنان إلى الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وليس انتهاء بميليشيات «الحوثي» في اليمن، فهذا النوع من الإرهاب كانت مواجهته تقتصر على السعودية والإمارات والتحالف العربي في اليمن قبل الدخول القوي للولايات المتحدة الأميركية وإدارة الرئيس ترامب على المشهد الإقليمي والدولي في مواجهةٍ صارمةٍ لكل تخريب يقوم به النظام الإيراني، وليس الملف النووي فحسب.
بناء على كل ما سبق، وعلى زوايا أخرى أوسع، فإنها تؤكد جميعاً على أن الحرب مع الأصولية والتطرف والإرهاب هي حرب طويلة واستراتيجية تحتاج عقوداً من الزمن لحسمها، والانتصارات التي تحدث هي انتصارات في معارك على الطريق الطويل، لا بد منها ولا بد من الاحتفاء بها والاستمرار فيها، فانتصارات المعارك هي التي تصنع انتصار الحرب.
المشروع العربي المعتدل الذي تقوده السعودية والإمارات ومعهما عدد من الدول العربية هو حبل النجاة الوحيد لكل من يدعم الاستقرار في المنطقة إقليمياً ودولياً، وهو يواجه المشروعين الأصولي والطائفي الإرهابيين بكل قوةٍ وحزمٍ، بتعزيز قيم التسامح والتعايش والسلام والتنمية، ورفض الأصولية والطائفية والإرهاب، وأي دولةٍ في العالم تدعم الحضارة الحديثة والقيم العالمية الإنسانية ليس أمامها إلا التحالف مع هذا المشروع العربي المعتدل، الملتزم بالقوانين الدولية والداعم للقيم الإنسانية الحديثة، هذا المشروع الطموح الذي يقدّم حلولاً خلاّقةً وبناءةً للملايين من الشباب في العالمين العربي والإسلامي.
أخيراً، وبعيداً عن المستعجلين، فمواجهة كل عناصر التخلف والتطرف والإرهاب تتم عبر مسارين متوازيين، مسار البناء ومسار الهدم، ففي البناء نشر ثقافة التسامح والتنمية، وفي الهدم ضرب مشاريع التخلف والإرهاب، وهما جناحا الطائر اللذان لا يطير إلا بهما معاً.
*كاتب سعودي