لم يكن أبداً من السهل على الأميركيين من أصول عربية الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، ورغم أننا أحرزنا تقدماً حقيقياً، فإن التحدي لا يزال يتزايد. وقد تعلمت في السابق أن معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية لن تكون أبداً معركة عادلة. ففي جهودهم الرامية لإسكات صوتنا، شنّ مؤيدو إسرائيل حملة بلا هوادة لنزع الشرعية عنّا. وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، استغلت منظمات مثل «رابطة مكافحة التشهير» و«اللجنة اليهودية الأميركية»، المصداقيةَ التي اكتسبتها من محاربة التعصب والظلم لتشويهنا وإقصائنا من المشاركة السياسية.
وأتذكر أنه عندما كنت أستاذاً جامعياً شاباً، شاهدتُ للمرة الأولى كتابات عني وعن زملاء آخرين من الأميركيين العرب في كتب نشرتها تلك المنظمات، ولا أزال أتذكر كيف جعلني ذلك أشعر بالضعف. ولم يقتصر الأمر على الكتب فحسب، وإنما كانت الطريقة التي استخدمت بها تلك المنظمات أوصافاً لتشويهنا هي التي سببت لنا ضرراً شديداً. فعندما كنا نذهب لمقابلات وظائف، وعندما كانت تتم دعوتنا للتحدث، أو عندما كنا نظهر في وسائل الإعلام، كان التشهير يسبقنا.
وفي عام 1978، تمت دعوتي للبيت الأبيض ضمن قادة المجموعات العرقية للقاء نائب الرئيس «مونديل». وبعد ثلاثة أيام على ذلك اللقاء، تلقيت اتصالاً من المكتب الذي دعاني في البيت الأبيض، وأخبروني أنه بسبب الشكاوى التي تلقوها من منظمات يهودية حولي كـ«أميركي عربي مؤيد للقضية الفلسطينية»، فإنهم لن يتمكنوا من دعوتي لأية اجتماعات مستقبلية.
وحدث أمر مشابه بعد بضع سنوات عندما حاول بعض القادة المنتمين لجماعات عرقية مختلفة تشكيل أحد المجالس، ودعوني لترأس مجموعة تتعامل مع نشر صور نمطية سلبية عن الجماعات العرقية في وسائل الإعلام. لكن «رابطة مكافحة التشهير» لم تعترض فحسب على مشاركتي، بل قاطعت الاجتماع وشنّت حملة تدعو الآخرين لاقتفاء أثرها.
ولم نكن أفضل حالاً مع الليبراليين في مجتمع الدفاع عن السلام وحقوق الإنسان، فعندما تقدمت حملة حقوق الإنسان الفلسطيني لعضوية ائتلاف «السياسات العسكرية والخارجية الجديدة»، قيل لنا: لا بد أن يجري تصويت بين المنظمات الأعضاء الموجودة. ورغم أننا فزنا في التصويت، فقد تم الضغط علينا لسحب طلبنا، لأن ثلاث منظمات يهودية قالت إنها ستنسحب احتجاجاً إذا ما تم قبولنا. وبعد عامين، حدث الشيء ذاته عندما تقدمت لجنة مكافحة التشهير العربية الأميركية للانضمام إلى الائتلاف.
وقد قمنا بالاحتجاج والإصرار على عقد اجتماع عام للجنة العضوية من أجل عرض قضيتنا. وضِمن أكثر من 50 منظمة في الائتلاف، اعترضت المنظمات الثلاثة نفسها مرة أخرى. وزعمت أن انضمامنا «سينزع المصداقية عن الائتلاف في الكونجرس»، وسيسفر عن خسارة تمويل أنشطته. لكن عزاءنا أن الليبراليين أنفسهم تم إقصاؤهم.
وفي عام 1983، تمت دعوتنا للانضمام لمسيرة في واشنطن بمناسبة الذكرى العشرين لاغتيال مارتين لوثر كينج. ومجدداً استعرضت منظمات متحالفة مع رابطة مكافحة التشهير عضلاتِها لسحب الدعوة منا، ولمنع السيناتور السابق «جيمس أبورزق» من التحدث في المسيرة. لكن بفضل التأييد القوي الذي تلقيناه من أبطال مثل «جيسي جاكسون» و«جوزيف لوري» وعضو الكونجرس «والتر فونتروي»، شاركنا في قيادة المسيرة وأدلى أبورزق بكلمته.
وعندما ترشح «جاكسون» للرئاسة في 1984، عينني نائباً لمدير حملته، والتي ضمت أميركيين من أصول عربية، وأثار قضية العدالة من أجل الفلسطينيين، لكنه واجه ضغوطاً من أنصار إسرائيل لوقف التعاون مع الأميركيين العرب ولإسكاته بشأن حقوق الإنسان الفلسطيني. وكنت حاضراً بأحد الاجتماعات مع «جاكسون» والسيناتور «ألان كرانستون» عندما أخبر الأخير، الذي كان على وشك الانسحاب من السباق، «جاكسون» بأنه كان سيودّ تأييده لكنه لا يستطيع بسبب دفاعه عن الفلسطينيين. وعندما ردّ «جاكسون» بأن حملته سعت للتعاون مع اليهود الأميركيين والأميركيين العرب، وسعت للجمع بينهم، سخر «كرانستون»، مشيراً إليّ واستخدم مصطلحاً ازدرائياً: «أعرابي أحمق»!
وليست هذه سوى أمثلة شخصية قليلة حول جهود تشويهنا وإقصائنا من المشاركة السياسية وإسكات أصواتنا. وفي عام 1986، نشر المعهد العربي الأميركي دراسة موسعة عن هذا التاريخ من المعاملة تحت عنوان: «سياسة الإقصاء». وتسجل أمثلة من قبيل: رد المرشحين مساهمات من رجال أعمال عرب أميركيين بارزين، ومرشحون رفضوا تأييد منظمات أميركية عربية، أو الضغط عليهم لإقالة موظفين أميركيين عرب لأنه قيل لهم إن ذلك سيكلفهم سياسياً إذا ما ضموهم لحملاتهم الانتخابية.
لكن عندما أنظر إلى التقدم الذي أحرزناه، لا يسعني سوى أن أشعر بالفخر بسبب مثابرة جاليتنا رغم العقبات الكثيرة التي واجهتنا. وعند مقارنة جهودنا بتلك التي بذلتها مجتمعات عرقية أخرى تدافع عن قضاياها، لا بد من الإشارة إلى أن موقفنا كان متفرداً. فبالإضافة للتعامل مع جلّ تلك الصعوبات المرتبطة بالعمل التنظيمي السياسي، اضطررنا لمواجهة تحديات إضافية، تمثلت في المؤيدين لإسرائيل الذين استغلوا نفوذهم الكبير لمنع حقنا الأصيل في المشاركة السياسية.

*رئيس المعهد العربي الأميركي