قبل أن يبدأ رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح جولته الخليجية في الكويت والإمارات والتي تشمل السعودية والأردن ثم إيران، وربما تركيا، أكد «أن مصلحتنا الوطنية تكمن في حسن الجوار، واحترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض سياسة المحاور، والتمسك بالدور العراقي المحوري في بناء منظومة أمن إقليمي، يستند الى الإحترام المتبادل للسيادة، وحقوق شعوب المنطقة».
وفي الوقت الذي أشار فيه إلى «روابط علاقات متينة بين العراق وإيران، ونطمح إلى تنميتها»، وكذلك إلى «علاقات مميزة تربط العراق بتركيا، تحمل آفاقاً مفتوحة للتطور»، أكد فخامته «أن العراق يسعى إلى بناء أفضل العلاقات مع عمقه العربي والخليجي، مع أشقائه، في إرساء قواعد حسن الجوار والتكامل الإقتصادي والنهوض الثقافي المشترك». لاشك في أن عروبة العراق قديمة جداً وراسخة في التاريخ القديم والحديث، ويمتد «عمقه الاستراتيجي» في الوطن العربي كله من المحيط إلى الخليج، وكان بين ست دول أسست جامعة الدول العربية في أربعينيات القرن العشرين، وموقعه الجغرافي مع محيطه، يساعده على تحقيق مصالحه في الاستقرار السياسي والأمني والنهوض الاقتصادي والاجتماعي. لذلك من الطبيعي أن يأتي موقف الرئيس برهم صالح، ضمن سلسلة جهود وخطوات إيجابية، سبق أن أنجزتها الحكومة السابقة برئاسة حيدر العبادي منذ نحو أربع سنوات، وأسهمت في ترطيب العلاقات وتعزيزها مع السعودية، وفي 21 أكتوبر 2017، تميز معرض بغداد الدولي بجناح كبير للمملكة، ومشاركة كثيفة ضمت أكثر من 60 شركة تجارية وصناعية. وفي فبراير 2018، سجل مؤتمر الكويت لإعادة الإعمار، نجاحاً كبيراً بحضور دولي كثيف، ومشاركة 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية، و51 صندوقاً تنموياً ومؤسسة مالية، و107 منظمات غير حكومية، إضافة إلى أكثر من 1580 شركة استثمارية من جنسيات مختلفة، تعكس رغبة عربية ودولية للاستثمار في العراق، وقد بلغ إجمالي التعهدات والمنح العربية نحو 7,5 مليار دولار، منها خمسة مليارات من أربع دول خليجية (الكويت، السعودية، الإمارات، وقطر)، من أصل 30 مليار دولار تعهدت بها الجهات المانحة، كما تعهدت تركيا بـ 5 مليارات دولار قروضاً وتسهيلات ائتمانية، في حين أن إيران التي شاركت في المؤتمر بصفة مراقب، لم تعلن عن أي مساهمة في مشروع إعادة إعمار العراق.
وتواجه الحكومة الجديدة برئاسة عادل عبدالمهدي، تحديات كثيرة لإصلاح الأوضاع في العراق بعد الفساد والدمار، وهدر أموال قدرت بنحو تريليون دولار خلال عشر سنوات ( 2004 ـ 2014)، منها 800 مليار من موازنات النفط و200 مليار دولار، منح ومساعدات، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يتراكم العجز المالي سنوياً، حتى بلغ 11 مليار دولار في موازنة العام الحالي، وسيرتفع إلى نحو 19 مليار دولار في موازنة العام المقبل، على رغم ارتفاع معدل تصدير النفط إلى 3,88 مليون برميل يومياً. الأمر الذي يتطلب مزيداً من القروض والاستثمارات لتمويل مشروع إعادة الإعمارالذي قدرت تكلفته بنحو 100 مليار دولار، وتأمين هذا المبلغ دونه صعوبات في ظل أجواء الفساد، وحالة الاضطراب الأمني والسلاح المتفلت، وتأثير نفوذ إيران على «موقع بغداد» في اتخاذ القرار العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وإذا كان العراق يسعى إلى تطوير استثمارات شركات النفط العاملة حالياً، ومضاعفة صادراته تدريجياً ليصل الرقم إلى 8 ملايين برميل يومياً، من أجل مضاعفة عائداته المالية، فإن تنفيذ ذلك يجب أن يسبقه تنفيذ الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي، وتشغيل خطوط الأنابيب الممتدة من العراق الى تركيا وسوريا ولبنان والسعودية، والإسراع في إنجاز خط الأنابيب المقرر إلى ميناء العقبة في الأردن.