في سنة 1906، زار تيودور روزفيلت القناة التي كانت تبنى في بنما، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي يغادر البلاد أثناء توليه منصبه. كما قام الرئيس «ويليام هاورد تافت» أيضاً بزيارة بنما والمكسيك. ولكن حضور اللقاءات الدولية والاختلاط مع رؤساء الدول لم يصبح جزءاً مقبولاً وجزءاً لا يتجزأ من مهمة الرئيس إلا بعد ذهاب وودرو ويلسون إلى باريس في نوفمبر 1918 – أي قبل مئة سنة من هذا الشهر.
لا يوجد رئيس لايهتم كثيراً بهذه المهمة الدبلوماسية مثل دونالد ترامب الذي يكون مرتاحاً أكثر أمام أتباعه وأنصاره، لأن آراءه الحمائية والانعزالية تتعارض كلياً مع آرائهم.
أحدث رحلة لترامب إلى أوروبا كانت محرجة للبلاد التي يقودها، كما العادة، حيث بدأت وانتهت بإهانات على «تويتر» فلدى وصوله إلى فرنسا يوم الجمعة قبل الماضي، هاجم ترامب مضيفه بسبب تصريح «مهين جدا» لم يصدر عنه في الواقع. ذلك أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال إن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى جيش من أجل حماية نفسه بدون الاعتماد على الولايات المتحدة، ولم يقل: في حاجة إلى جيش من أجل حماية نفسه من الولايات المتحدة.
ويوم الاثنين، وبعد عودته إلى الولايات المتحدة، أطلق ترامب سيلا من التغريدات التي أعادت اتهامه الخاطئ والمتكرر من أن الحلفاء في «الناتو» يغشوننا لأن الولايات المتحدة تدفع المال على حمايتهم العسكرية، على ما يفترض، بينما تخسر «مئات المليارات من الدولارات مع تلك البلدان نفسها في التجارة».
أما كيف ينسجم هذا مع تفاخره في يوليو الماضي من أنه جعل الناتو «قويا من جديد» لأن أعضاءه وافقوا فجأة على «دفع مئات المليارات من الدولارات أكثر»، فذاك لغز يستعصي على الفهم. ثم إن لا شيء صحيحا في الادعاءين – فلا أعضاء «الناتو» وافقوا على دفع مال أكثر، ولا هم يغشون الولايات المتحدة. ومن جانبه، عاتب «ماكرون» ترامب حيث حذّر في خطاب له من أخطار العقيدة القومية التي يتبناها الرئيس الأميركي. وقال ماكرون: «عندما نضع مصالحنا أولاً، من دون أي مراعاة للآخرين، فإننا نقوم بمحو أغلى وأعز ما لدى الدول، والشيء الذي يبقيها حية: ألا وهو قيمها الأخلاقية».
ثم اكتملت عزلة الرئيس الأميركي عندما تغيب عن مسيرة لزعماء العالم على شارع الشانزيليزيه وطار عائدا إلى الولايات المتحدة قبل بداية «منتدى باريس للسلام». ومرة أخرى، أصبحت «أميركا أولاً» «أميركا وحيدةً».
كانت تلك الرحلة الأكثر إحراجاً التي يقوم بها رئيس أميركي إلى الخارج... منذ آخر زيارة قام بها ترامب. تلك الزيارة كانت في يوليو الماضي عندما أبدى موقفاً غير قوي إزاء فلاديمير بوتين في هلسنكي مصدِّقا نفيه «القوي» لتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وهذا بدوره جاء بعد شهر فقط على لقاء ترامب مع كيم جونغ أون في سنغافورة، لقاء خرج منه متفاخراً بأنه «لم يعد ثمة تهديد نووي من كوريا الشمالية»، على الرغم من أن كوريا الشمالية تعمل على توسيع ترسانتها النووية، وليس تفكيكها.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»