أقيمت مباراة «الهلال» و«المريخ»، قطبي كرة القدم السودانية، في كرنفال بهيج ناجح، ومضت أحداثها بعد أن حققت المرجو منها على الصعيد الرياضي والتواصل على المستوى الشعبي بين أهل الإمارات وأهل السودان، وهذا شيء جيد وحميد، لكن الأحداث والمناسبات الرياضية لا تقام في فراغ، أو من أجل إقامتها بحد ذاتها، بل تقام لكي تحقق أهدافاً أخرى أكثر عمقاً وأهمية وسمواً. ومن هذا المنطلق أدعو إلى جعل هذا الحدث نقطة بدء ومحطة انطلاق لما هو أهم وهو العمل على إخراج السودان الشقيق مما يمر به من اختناقات وأزمات على المستويين السياسي والاقتصادي، لأن ذلك يؤثر حتى الآن على مسيرته التنموية وانطلاقته لتحقيق الحياة الحرة والكريمة لشعبه الكريم.
الوجود السوداني الرياضي على أرض الإمارات في الثاني من نوفمبر 2018 هو في تقديري فرصة سانحة لكي يتم من خلالها النظر من قبل دولة الإمارات، قيادة وحكومة إلى ما يمر به السودان من مشاكل من زاوية جديدة تجري من خلالها تعديلات جذرية على علاقات القطرين الشقيقين ببعضهما بعضاً، في نفس الوقت الذي من المناسب فيه أن ينظر السودان إلى عدد من التغييرات الجذرية التي يحتاجها في سياساته وبرامجه، وإلى الأهداف الحقيقية التي يتوجب على السودان دولةً ومجتمعاً أن يحددها لنفسه، فمن المعروف أن أول جهد ضروري لابد من إجرائه وإدارته باتجاه التنمية لأي دولة هو وضع تصور بالأهداف الوطنية وشرحها في شكل منظومة من التطلعات المراد تحقيقها، والتي يتم توجيه جميع السياسات والبرامج والتخطيط باتجاهها.
من وجهة نظري، أعتقد بأن تنمية السودان تعني مجموعة من النقاط هي: أولاً، تأسيس مجتمع سوداني بعيد عن التعصبات الحزبية والقبلية والطائفية والعرقية والدينية يتم فيه صهر شعب السودان في بوتقة واحدة بغرض أبعاده عن النعرات القائمة حالياً، وتعمل على تمزيقه والنيل من لحمته ووحدته الوطنية. ثانياً، الدفع الشديد باتجاه التنمية الشاملة المستدامة، وبناء قوة اقتصادية عن طريق تنمية الموارد السودانية الذاتية وتطوير الموارد البشرية والطبيعية لديه. ثالثاً، خلق دولة رفاه يغيب عنها الفقر، وجعل الإنسان هو مركز النشاط الاقتصادي والاجتماعي. رابعاً، إدخاله في إصلاح تعليمي جذري يحصل من خلاله كل سوداني على نصيب من المعرفة والتأهيل والتدريب لكي يؤدي دوره في تنمية الدولة والاقتصاد والمجتمع والثقافة الوطنية.
خامساً، تأسيس بيئة مناسبة تخلق الفرص أمام التنمية التي تمكن السودانيين من إدارة وتسيير أمورهم عبر التشاور والتوافق، والقبول بالرأي والرأي الآخر. سادساً، تقوية قدرات السودان للدفاع عن نفسه، وغرس حب الوطن والدفاع عنه في قلوب المواطنين. سابعاً، جعل السودان حجراً أساسياً في السعي من أجل وحدة العرب وتحريكه وتفعيله لكي يلعب دوره البناء في مستقبل العرب جميعاً. ما أطرحه هنا هو رأي مختصر للأهداف التي يمكن لدولة الإمارات أن تساعد السودان من خلالها، والمطلوب من السودان كدولة وشعب، السعي إلى تحقيقها والوصول إليها بكاملها، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي أمامهم لكي يحافظوا من خلالها على السودان قائماً كدولة، ويحتفظوا به وطناً، وما أن يصبحوا واضحين تجاه أهدافهم عليهم أن يسخروا أنفسهم لمهمة صياغة سياسات داخلية وخارجية تتماشى مع تلك الأهداف، وتقود إلى تحقيقها.
*كاتب إماراتي