بالنسبة لأميركا وحلفائها، يصادف 11 نوفمبر الذكرى المئوية للهدنة التي أنهت الحرب العالمية الأولى، والتي كانت واحدة من أكثر الصراعات دموية في تاريخ البشرية. ولا تزال الأحداث في جميع أنحاء أوروبا والعالم تحيي ذكرى هذا اليوم. ومع ذلك، ففي ألمانيا، وقع حدث قبل ذلك بيومين، 9 نوفمبر 1918، وطغى على أهمية 11 نوفمبر، عندما وصلت ثورة كبيرة مناهضة للحكومة برلين، وأجبرت القيصر «فيلهلم الثاني» على التنحي عن العرش والذهاب إلى المنفى. وبعد ساعات قليلة من إطاحة النظام الملكي، أعلن «فيليب شيدمان» و«كارل ليبكنخت»، وهما سياسيان من الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية المتنافسة، بشكل منفصل مولد جمهورية ألمانيا. وساعدت الفوضى السياسية في 9 نوفمبر على إنهاء الحرب بعد يومين، لكنها أيضا أرست أساساً هشاً لأول ديمقراطية ألمانية، الديمقراطية التي أسقطها النازيون بعد 15 عاماً.
حتى ظهرت في ألمانيا موجة من الكتب والمقالات والبرامج التلفزيونية للاحتفال بالذكرى المئوية لبدء الحرب العالمية الأولى في 2014، كانت ذاكرة العامة في ألمانيا محجوبة بظلال الحرب العالمية الثانية. ويُذكر قيام الجمهورية الألمانية الآن باعتباره الحدث الأول بين أربعة أحداث مهمة وقعت في ألمانيا ضمن أحداث 9 نوفمبر التي شكلت القرن العشرين، والمعرضة لخطر النسيان.
في 9 نوفمبر 1823، حاول أدولف هتلر و2000 من رفاقه إسقاط الديمقراطية الألمانية الضعيفة من خلال القيام بانقلاب في ميونيخ، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل. وتسبب هذا العمل في سجن هتلر لمدة خمس سنوات، حيث كتب الجزء الأول من كتابه الشهير «كفاحي».
وبعد ذلك بـ 15 عاماً، وفي 9 نوفمبر 1938، نظم النازيون ليلة البلور (أو ليلة الكريستال) الفظيعة، التي كان يطلق عليها مجازاً «ليلة الزجاج المكسور». وخلال هذه الليلة، التي تعد الأسوأ في التاريخ الألماني، تم تخريب ونهب الآلاف من الشركات اليهودية في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى حرق 1200 معبد يهودي، وقتل 97 مواطناً ألمانياً، وترحيل 30.000 إلى معسكرات الاعتقال.
وبالمصادفة البحتة، سقط جدار برلين في نفس ذلك التاريخ المشؤوم، 9 نوفمبر 1989. وكانت حكومة ألمانيا الشرقية تتعرض لأشهر من الضغط من قبل المتظاهرين الذين كانوا يسعون للحصول على حقوق ديمقراطية وحريات. وبعد ظهر يوم 9 نوفمبر، عندما ارتجل متحدث باسم حزب الوحدة الاشتراكي في ألمانيا الشرقية إعلاناً بأن ألمانيا الشرقية سترفع القيود عن السفر إلى ألمانيا الغربية، لم يكن أحد ليتصور أن جدار برلين سينهار بحلول مساء ذلك اليوم. ولكن، بمجرد أن أعيد توحيد ألمانيا الشرقية والغربية، جعل الارتباط الرهيب بين النازيين و9 نوفمبر من المستحيل لأن يكون هذا التاريخ بمثابة عطلة وطنية جديدة.
وبدلاً من ذلك، يتم الاحتفال بـ «يوم الوحدة الألمانية» في 3 أكتوبر، عندما أصبحت ألمانيا الشرقية والغربية رسمياً دولة واحدة. أما 9 نوفمبر، فهو بالنسبة للألمان محمَّل عاطفياً بالمأساة والانشقاق والشعور بالذنب والفرح والعار والكرامة. إن تأطير التاريخ الألماني في القرن العشرين حول 9 نوفمبر، من الأيام الأخيرة للحرب العالمية الأولي، وحتى نهاية الحرب الباردة، مروراً بالرايخ الثالث (أو الفترة الاشتراكية الوطنية) يذكرنا بكيف كان الشعب الألماني يكافح باستمرار مع ماضيه. وجهود ألمانيا المتواصلة لقبول الماضي تعد نموذجاً للدول الأخرى التي تواجه خطايا الماضي، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وفي السنوات الأخيرة، ترسخ اتجاه جديد بين الألمان تجاه ماضي بلدهم ومسؤوليتها في التذكر. واكتسب «حزب البديل» من أجل ألمانيا اليميني المتطرف دعماً شعبياً منذ أزمة اللاجئين التي جلبت مليون مهاجر إلى ألمانيا في 2015. وقد حدث هذا التطور بالتوازي مع صعود «الترامبية» في الولايات المتحدة. وتماماً كما أثار ترامب غضباً بادعائه في أعقاب مسيرة شارلوتسفيل في 2017 أن هناك «أشخاصاً طيبين في كلا الجانبين»، أثار قادة «البديل من أجل ألمانيا» جدلاً باقتراح أنه قد يكون قد حان الوقت لوضع حد لما يطلق عليه في ألمانيا «عبادة الذنب».
*أستاذة مساعدة بكلية فرانكلين آند مارشال الألمانية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»