نشرت الصحافة العربية نقلاً عن القناة العاشرة العبرية خبراً يقول إن الجيش الإسرائيلي دشن وحدة استخباراتية سرية لاختراق بعض الدول العربية تحت اسم (504). ويذكرُ الخبرُ أنَّ هذه الوحدة الاستخباراتية عالية المستوى ولا تقل أهمية عن جهازي «الشباك» و«الموساد». لكن ما يلفت نظر المراقب في هذا الخبر هو ما تضمنه من أن عناصر هذه الوحدة على اتصال مع أشخاص خارج إسرائيل، يعملون وفق تعليمات معينة لنقل المعلومات، وأن الأضواء لم تسلط على هذه الوحدة العسكرية ذات المهام التجسسية رغم أنها حصلت قبل بضعة أشهر من الآن على وسام لتحقيقها إنجازات ذات قيمة لأمن إسرائيل، وأن أفرادها نجحوا في البحث عن نقاط الضعف البشري بهدف إخضاع العميل للعمل لصالح إسرائيل، وأنها تطلق على عناصرها صفة «ضباط المهام الخاصة» لأنهم يقومون بمهام سرية في بعض الدول العربية.
ولعل هذا الخبر حول الوحدة الاستخباراتية (504) يشير إلى أمرين:
الأول: أن دور إسرائيل القادم في المنطقة العربية ربما يتركز على تحريك وتغذية الصراعات بين دول المنطقة وداخل كل دولة من هذه الدول على حدة.
الثاني: أن الاضطرابات التي شهدتها بعض دول المنطقة خلال السنوات الماضية، وأدت إلى انهيار بعضها ودخولها في حالة من الفوضى الشاملة، لا يمكن فصلها عن شبكات التجسس الإسرائيلية العديدة التي تم كشفها في الآونة ذاتها تقريباً.
إن إسرائيل التي تملك قوة نووية ضخمة و250 مصنعاً للسلاح، لا تبدو معنية باحترام أي معاهدة أو اتفاقية دولية تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بل لديها سياسة ثابتة ترمي إلى إبقاء الاحتلال في فلسطين والقدس وما تبقى منهما، حيث تمارس أكثر الأساليب عنفاً ووحشية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، بما في ذلك الاستيطان الذي وصل مستويات غير مسبوقة. ولتحقيق ذلك تواصل إسرائيل إشغال العالم بقضايا هامشية، وبإثارة الفتن الداخلية في الدول الأخرى، تساعدها في ذلك قدرتها على التأثير في القرار الأميركي من خلال النفوذ الذي تتمتع به دوائر اللوبي الصهيوني داخل كثير من مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة.
وكما ورد في تصريح لمسؤول رسمي مغاربي منذ فترة، فإن «هناك مخربين متواطئين مع جهات أجنبية يعملون على تفكيك الدول العربية». وقد كشف تقرير أصدرته الداخلية المغربية أن السلطات المختصة تمكنت من إفشال العديد من المخططات الإرهابية، وأن التنظيمات الإرهابية تدعو المقاتلين الأجانب في صفوفها إلى التسلل نحو بلدانهم الأصلية بغية تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف ضرب الاستقرار وتعطيل حركة الاقتصاد فيها.
ومعلوم أن إسرائيل لم تتوقف يوماً عن محاولة تحريك موضوع الأقليات والتنوع الطائفي في العالم العربي، ولطالما تدخلت في ملف الأقليات التي تشكل جزءاً من النسيج المجتمعي لبلادها العربية والإسلامية.
ووفقاً لصحيفة «دفار» الإسرائيلية (1981)، فإن إسرائيل ترى من واجبها الدفاع عن أية أقلية إثنية أو دينية في المنطقة العربية، وأن هذه عقيدة مترسخة في سياسة تل أبيب، ومن خلالها تنفذ نصيحة بن غوريون الذي دعا لاستغلال ورقة الأقليات وإثارتها في الدول العربية، ونصيحة إسحاق رابين الذي اعترف صراحة بأن إسرائيل قدمت مساعدات تمويلية وتسليحية وتدريبية لدعم تمرد بعض الأقليات وانفصالها عن بلدانها الأم، كما تباهى «عاموس بالدين»، المدير السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، بما حققته هذه السياسة عندما قال: إن «الموساد» نجح في زرع الفتنة الطائفية بين شمال السودان وجنوبه ومهد للانفصال.