التجربة الإماراتية في مجال التسامح تُشكّل مساحة من الرشد لفرض صيغة من التعايش بين شعوب مختلفة ثقافياً وعرقياً، وتضع الآخرين أمام مساءلة من ناحية تكرار التجربة أو تقليدها، خاصة أولئك الذين عايشوا عن قرب فتن وحروب الكراهية وعدم التسامح، على الرغم من انتمائهم إلى مجتمع واحد، ظاهره التعددية، وباطنه أحادية معادية للتنوع. كما أن التجربة الإماراتية تأتي محملة برفض قاطع لنشر الكراهية والاختلاف المؤدي إلى العنف والإرهاب، ذلك أن التسامح في الإمارات مؤطر قانونياً منذ ثلاث سنوات، منذ أن أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة مرسوماً بقانون رقم(2) لسنة 2015، بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
في القانون سابق الذكر - بما حمله من فلسفة ومنظومة قيم - حماية للدولة من أيّ توتر على مستوى الجبهة الداخلية، ودعَم للتعايش بين الجنسيّات والثقافات، كما كشف على أن التسامح حقيقة مؤكدة في الإمارات، وما كان ليتحقق لولا قابلية الإماراتيين للتسامح، وأيضاً لولا جذور ضاربة في عمق التاريخ، ذات صلة بطبيعة السكان والجغرافيا، وهي لم تكن محصورة في نطاقها الجغرافي الخليجي، بل امتدت لتشمل عوالم أخرى، لا تزال إلى اليوم مؤثرة في علاقة الإمارات بالمجتمعات الأخرى.
التجربة الإماراتية في مجال التسامح- كما تبدو، وكما يتم الالتزام بها كونها اختيار وسياسة دولة - جديرة بالمتابعة والدراسة، ليس لأنها تؤسس لنوع من العلاقة السليمة في الداخل، وما يتبعها من تأثير في العلاقات الخارجية الدولية فحسب، ولكن لوجود إصرار على ابتكار أفكار إيجابية وتصديرها، على النحو الذي تحدث عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في عدة مناسبات، كما أن التسامح في الإمارات تجاوز الطرح النظري إلى المجال العملي المؤسساتي، من خلال إنشاء وزارة للتسامح، وفي ذلك رد عملي على الذين يعتقدون أن الدعوة إلى التسامح تخص منظمات حقوق الإنسان، أو هي مشاريع خاصة بالدول الغربية الداعية للتغيير، من خلال فرض التعايش في المجتمعات الأخرى، وبذلك تحقق الإمارات من خلال القيام بدورها الحضاري والإنساني، وبما يفوق حجمها الجغرافي وعدد مواطنيها، ما عجزت عن القيام به دول أكبر، وأقوى، وأعمق تجربةً في هذا المجال.
بعد هذا كله، يطرح السؤال الآتي: هل التجربة الإماراتية قابلة للتكرار والتداول عربياًّ؟.. قد تكون قابلة للتداول إذا ما توفرت ثلاثة عناصر، أولها: رؤية واعية للقادة بالمخاطر المحدقة بالعرب، محلياً: خاصة قي الدول التي تكثر فيها جاليات أجنبية، بحيث يتم استيعابها من خلال سياسة الاحتواء والتعايش، وعالمياً: بحماية الجاليات العربية في الخارج في ظل مخاوف منها على خلفية انتشار الإرهاب، وثانيها: قابلية الشعوب العربية للتسامح فيما بينها أولاً، وتجاه الأجانب ثانياً على غرار ما حدث في الإمارات، وثالثها: الشعور العام بمرحلة ما بعد العولمة، والتي تتطلب التسامح، ومن ثمة القبول والتعايش مع الأفكار الحديثة التي هي نتاج التِّقنيَّة الحديثة.