هناك فرق كبير في العيش ونمط الحياة والقيم الاجتماعية بين البلدان الشرقية والغربية. ولأنهم جزء من آسيا، فإن الهنود يحافظون منذ عصور طويلة على قيمهم الاجتماعية وعاداتهم وتقالديهم. ولكن فترة ما بعد الفترة الكولونيالية شهدت تحولات في نظرة ومواقف شباب البلدان الآسيوية والنامية الأخرى. ونظراً لتأثره بازدهار مجال الفن والترفيه في الغرب وانجذابه إليه، بدأ جيل ما بعد الفترة الكولونيالية يقلد نمط الحياة والموضة والثقافة الغربية التي تتعارض مع قيم الشرق وثقافته.
وعلى الرغم من أن الهند ما زالت مجتمعاً محافظاً بشكل عام، فإن شبابها، وفي تهافته على تبنى الحداثة، ولاسيما في المدن الكبيرة، بدأ يتبنى الموضة ونمط الحياة والثقافة الغربية ببطء، بدءا بالتغير في الزي المحلي إلى قضاء أمسيات ممتدة في النوادي والحانات. ونظراً لأن أسلوب الحياة هذا يخلق الكثير من نقاط الضعف، فإن عدداً من الأنشطة غير الأخلاقية بدأت في التسلل والاختراق، ولاسيما في المستويات العليا للمجتمع الحضري في الهند. ولكن حركة «أنا أيضاً»، التي بدأت قبل سنة تقريباً عندما أخذت ممثلات في هوليود ونساء أخريات في المجال الفني فضح وتسمية المتحرشين الجنسيين بهن، وصلت الآن إلى الهند.
النساء اللاتي خرجن وتحدثن دون خوف في الهند في وسائل الإعلام، من «فيسبوك» إلى «تويتر» ضد التحرش الجنسي، ينحدرن من خلفيات ومهن مختلفة. فمنهن صحافيات، وممثلات في السينما والتلفزيون، وكاتبات ومديرات إعلانات... تقاسمن تجاربهن كضحايا للتحرش والاعتداءات التي تعرضن لها في أماكن عملهن عبر قاعات الأخبار واستوديوهات الأفلام وصناعة الترفيه.
الشخصية الأبرز التي سمّتها أعداد من النساء هو مدير الأخبار الذي تحول لاحقاً إلى سياسي «مبشر جاويد أكبر»، الذي اضطر للاستقالة كوزير دولة للشؤون الخارجية، بعد أن اتهمته أكثر من اثنتي عشرة صحفية بالتحرش خلال فترة إدارته لصحيفة باللغة الانجليزية. النساء، اللاتي عملن في صحف كان هو رئيس تحريرها، كن قد وجهن سلسلة من الادعاءات والاتهامات ضده. وبدأت القصة عندما كتبت صحفية هندية تقريراً مفصلًا، في مجلة «فوغ» العام الماضي، حول عملها مع رئيس تحرير جعلها تشعر بالانزعاج خلال مقابلة في غرفة فندق.
ولكن الحركة الحالية، وبعد عام تقريباً على ظهور «حركة أنا أيضاً» في الغرب Me too، بدأت في الهند عندما اتهمت ممثلة في بوليود ممثلاً هنديا مشهوراً بالتحرش بها قبل عشر سنوات. ثم سرعان ما فتح بوحها برميل بارود من الادعاءات من قبل أعداد من النساء اللاتي قررن التحدث دون خوف وحكي قصصهن وتجاربهن المروعة مع التحرش الجنسي الذي حاق بهن من قبل شخصيات مرموقة ورجال نافذين. ومن بين أولئك الذين تمت تسميتهم خلال الأيام القليلة الماضية مؤلفون، ومالكو وكالات، ومخرجون سينمائيون.
وإذا كانت حركة «أنا أيضاً» قد ظهرت في الولايات المتحدة أول مرة، فإنها تُعتبر أقوى في الهند، وهي من دون شك تقوّي النساء في الهند وتشجعهن على كسر الصمت والتحدث دون خوف، كما أن قصصهن تُسمع. والواقع أنه لطالما كان ثمة صمت حول موضوع التحرش الجنسي والجرائم ضد النساء؛ إلا أن الكثير من التدوينات الآن تدور حول التحرش في قطاع الموضة، وصناعة الأفلام، وقاعات التحرير، ومكاتب الشركات.
بيد أن الهند ما زالت مجتمعاً محافظاً أبوياً إلى حد كبير. والنساء ما زلن يخشين التحدث عن الجرائم الجنسية أو التحرش؛ ذلك أنهن إنْ فعلن، فإنهن كثيراً ما يجدن أنفسهن عرضة للانتقاد. ولكن الآن أخذت النساء الهنديات، وفي حركة عفوية ومتنامية، يتقاسمن قصصهن عبر تقاسم لقطات الشاشات لحوارات من أجل دعم ادعاءاتهن أثناء تسميتهن وفضحهن للمتحرشين بهن. وتطوعت بعض المحاميات وعرضن خدمات قانونية مجانية للنساء اللاتي تردن اللجوء إلى القضاء.
لقد أظهرت حركة «أنا أيضاً» الصعوبات التي تواجها النساء في مكان العمل أثناء إبحارهن في مجال ما زال أبوي الطابع إلى حد كبير؛ بيد أن أحد الجوانب التي تميز هذه الحركة هو اقتصارها على النساء الحضريات اللاتي يعملن في المدن الكبيرة. والحال أن الكثير من الاستغلال والعنف ضد النساء ما زال يُرتكب في البلدات والمدن الصغيرة من دون خوف من العقاب، حيث ما زال من الصعب على النساء التحدث عن التحرش من دون خوف. ولهذا، يجب على الحركة، إذا كان يراد لها أن تترك تأثيراً حقيقياً، أن تشمل أيضاً النساء الريفيات الفقيرات ونساء الأقليات اللاتي ربما يواجهن متاعب أكبر بكثير. ذلك أن ثلث سكان الهند فقط حضريون وهذا لن يؤدي إلى تطهير النظام.
*مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي