لليمنيين حكايات كثيرة يرمز بعضها لضرورة الرقص على رؤوس الثعابين أحياناً، كما كان يفعل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي سقط في النهاية ضحية لهذا النوع الخطير من الرقص. ومن بين تلك الحكايات ما يمكن الاستفادة منه لفهم سلوك الحوثيين وإعادة تأهيلهم، إذ يروى أن الطريق الرابط بين العاصمة اليمنية صنعاء ومدينة الحديدة الساحلية، كان يشهد في ثمانينيات القرن الماضي بعض أعمال القطع والنهب من قبل عصابة شرسة امتهنت ترويع المسافرين. ومعروف أن ذلك الطريق يمر بمناطق بعضها خالية من السكان ويبلغ طوله حوالي 280 كيلومتراً. ويقال إن خبر العصابة وصل إلى أسماع الرئيس صالح، فأمر بالتحري ومعرفة اسم قائد العصابة التي تنهب المسافرين الآمنين، فلما تمت معرفة اسم زعيم العصابة، استدعاه الرئيس وحضر على الفور، وفوجئ بأن الرئيس يطلب منه ومن عصابته أن يتكفلوا بحماية وتأمين الطريق مقابل أجر من الدولة. وبالفعل انتهت المشكلة بعد أن تكفلت العصابة ذاتها بحراسة الطريق الذي كانت تعربد فيه! فهل يمكن ترويض الحوثيين وإقناعهم بالتوقف عن العنف وترك السلاح والجنوح للسلم والقبول بالتفاوض وإعادة الاستقرار إلى اليمن وحمايته وتأمينه من أعمال عصابتهم؟
للأسف تخبرنا تجارب التفاوض مع الحوثيين أنهم لا يجيدون السياسة ولا يستطيعون رؤية جماعتهم خارج دائرة الحرب، لذلك يتهربون بانتظام من الحوار ومن كل ما يؤدي إلى الانتقال بالمشهد اليمني من لغة السلاح إلى لغة العقل والمنطق. واتضح أنهم يخافون السياسة والمفاوضات لأنها تكشف العدمية المطلقة التي توجه خطابهم وسلوكهم. كما أنهم مثل كل المليشيات والعصابات التي تنبتها الفوضى وتعتاش عليها وتنمو في ظلها، لذلك يتمسكون بالأجواء والظروف التي يرونها لمصلحة بقاء الجماعة المقاتلة.
ولأنهم يقاتلون بالوكالة عن إيران فإن أسوأ ما يخشاه الحوثيون هو انتهاء الحرب والدخول في عملية سلام جادة. وكما نعلم فإن إيران تريدهم أن يظلوا شوكة في خاصرة الجزيرة العربية لتهديد أمن دول الخليج. وهم أيضاً يتاجرون بالحرب ويستغلون ظروفها لتكوين ثروات ولجني فوائد وأرباح من السوق السوداء التي يحتكرون فيها بيع كل شيء من الوقود إلى الغذاء والسلاح.
ومع انطلاق دعوات دولية متزامنة تطالب بإغلاق الملف اليمني وطي صفحة الحرب والدخول في مفاوضات لإعادة الأمور إلى نصابها، سارع الحوثيون إلى إطلاق تصريحات معتادة تفيد بأنهم غير مستعدين للتفاوض. ويبدو من رد الفعل المشكك في الدعوات إلى وقف الحرب، أنهم أدمنوا المتاجرة بالملف الإنساني في اليمن ويريدون أن تظل الفوضى الناتجة عن انقلابهم مستمرة. فهم يتمترسون بالسكان المدنيين، وينهبون المساعدات ويتاجرون بها، ويظهرون استعدادهم الدائم للاستمرار في القيام بالدور التخريبي الذي لا يفيد اليمنيين ولا يبني مستقبلهم ولا يمنح أجيالهم القادمة شيئاً من الاستقرار. لذلك يتطلب إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة في اليمن إعادة تأهيل الحوثيين وتدريبهم على ترك السلاح وتشجيعهم على التعاطي من دون قلق أو خوف مع السياسة في الفترة المقبلة. ولا شك أن مساعدة مجموعة فوضوية عقائدية متعصبة على التأقلم مع السلم سوف تكون مهمة صعبة. فحتى الآن كلما تحدث العالم من حولهم عن السلام وإنهاء الحرب، يشعر الحوثيون بالارتباك والقلق ويتشاءمون من مستقبل بلا حرب وبلا عنف. لأنهم ببساطة بلا مشروع سوى خدمة أطماع إيران على حساب أمن واستقرار اليمن والمنطقة.
ورغم ذلك لابد من تشجيع الدعوات الدولية لوقف الحرب والقيام بمحاولات لدمج الحوثيين في المشهد اليمني، بعيداً عن لغة السلاح. فطوال فترة حرب دعم الشرعية كان التحالف العربي يكرر دعوة الحوثيين إلى التراجع عن الانقلاب والانخراط في عملية سياسية. وكان التحالف العربي يواجه عصابة لا تهتم بالمدنيين ولا بتدهور الأوضاع الصحية والمعيشية للسكان.
وبمناسبة الحديث عن الدعوات الدولية الجديدة لوقف الحرب وإطلاق مفاوضات لإعادة الاستقرار إلى اليمن وإنهاء فوضى الانقلابيين، تبرز الحاجة الماسة إلى إعادة تأهيلهم وإقناعهم بأن السلام سيكون لصالح الشعب اليمني بأكمله، وهم جزء من مكوناته الاجتماعية. لكن يبقى السؤال الآن هل سيقبل الحوثيون المشاركة في تأمين طريق اليمن نحو المستقبل؟ أم أنهم يفضلون الإبقاء على سلوك العصابة؟