يوم الجمعة 26 أكتوبر، تم إيقاف رجل أبيض، يدعى سيزار سايوك، في ولاية فلوريدا، بسبب إرساله طروداً ناسفة إلى خصوم ديمقراطيين بارزين للرئيس دونالد ترامب. مواقع هذه العبوات الناسفة حددتها قوات الأمن على مدى قرابة أسبوع. وكانت قد أُرسلت عبر مكتب البريد. وتشمل قائمةُ المستهدَفين بيل وهيلاري كلينتون، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، ورجل الأعمال جورج سوروس، والممثل روبرت دي نيرو، وأسماء مشهورة أخرى. ولحسن الحظ، لم يصب أي أحد بمكروه وتم نزع فتائل القنابل، لكنها كانت حالة واضحة لإرهاب داخلي من قبل واحد من أشد أنصار ترامب. وإذا كان ترامب قد أثنى على قوات الأمن التي تمكّنت من توقيف سايوك، فإنه كرّر لازمته المشهورة من أن الأخبار الكاذبة والمتحيزة التي تبثّها وسائل الإعلام الليبرالية هي التي تؤجّج مشاعر الغضب عبر البلاد.
وفي اليوم التالي، السبت 27 أكتوبر، دخل رجلٌ كنيساً بمدينة بيتسبورغ، بولاية بنسلفانيا، وقام بقتل 11 شخصاً وجرح 6 آخرين. القاتل أُلقي عليه القبض ويدعى روبرت باولز، وهو رجل معادٍ للسامية يتهم اليهود بالمساعدة على جلب المهاجرين إلى الولايات المتحدة، بمن فيهم المسلمون، وقد مثَّل اعتداؤه أسوءَ هجوم على اليهود الأميركيين في تاريخ الولايات المتحدة.
هذان الحدثان المأساويان، وإنْ كانا مختلفين من حيث الأسلوب، فهما يعكسان حالات العنف الداخلي الجماعي المتزايدة في الولايات المتحدة والتي يرتكبها في الغالب ذكورٌ بيض مستاؤون، وتزيد من فظاعتها وخطورتها السهولةُ التي يستطيع بها مثل هؤلاء الأشخاص اقتناء معدّات لصنع القنابل وأسلحة نارية بشكل قانوني، بما في ذلك البنادق الهجومية العسكرية.
في أعقاب مثل هذه الأحداث، وخاصة حوادث القتل الجماعي، تُطرح الحججُ نفسُها على الأجندة السياسية. فبالنسبة للوبي اليميني المؤيد لحمل الأسلحة، فإن الجواب هو مزيد من الأسلحة في أيدي الموظفين الأمنيين، سواء الرسميون أو المتطوعون، بمن فيهم المدرّسون على اعتبار أن المدارس تمثّل أهدافاً هشة. أما بالنسبة لمن يعتقدون أن جزءاً من المشكلة هو سهولة الوصول إلى الأسلحة، فإن الجواب ينبغي أن يكون قيوداً أكثر صرامة على شراء الأسلحة النارية، بما في ذلك سد الثغرات القانونية التي تسمح بشراء أسلحة في معارض الأسلحة من دون إجراءات تحقق كافية من خلفية الأشخاص الذين يريدون شراءها.
المؤيدون لفرض قيود أقوى على شراء السلاح يشيرون إلى أن الولايات المتحدة هي الديمقراطية الوحيدة في العالم التي لديها مثل هذه القوانين التي تتيح وصولاً سهلاً للأسلحة. أما المدافعون عن الوضع الراهن، فيحاججون بأن هذا الوصول للأسلحة مكفولٌ من قبل البند الثاني من دستور الولايات المتحدة، الذي ينص على أنه «حيث إن مليشيا منظمة بشكل جيد تُعتبر ضرورية لأمن دولة حرة، فإن حق الشعب في حيازة وحمل الأسلحة محفوظ لا يُنتهك». غير أن المنتقدين يحاججون بأن هذا البند كان الهدف منه الإبقاء على مليشيا، وليس السماح لأي مواطن بامتلاك أي أسلحة، بما في ذلك البنادق الهجومية.
الموضوع الساخن الآخر الذي أثاره هذان العملان الإرهابيان يتعلق بعنصر رئيسي في البند الأول من الدستور الأميركي، ألا وهو حرية الصحافة. فأحد الهتافات المتكررة التي سُمعت خلال التجمعات الجمهورية العديدة خلال الفترة الممهِّدة للانتخابات النصفية الأسبوع الماضي كان هو دور «الأخبار الكاذبة» التي تبثها الصحافة الليبرالية والموجهة ضد الرئيس وما يقوم به. وقد سبق للرئيس الأميركي أن وصف، في مناسبات مختلفة، المنابر الصحفية الرئيسية بـ«أعداء الشعب»، مكرراً بذلك مقولات قادة آخرين على مر التاريخ. والقناة الرئيسية الوحيدة التي لا يصفها بهذا الاسم هي «فوكس نيوز» التي كثيراً ما يظهر على برامجها.
هذا الخطاب لن ينتهي حتى الانتخابات النصفية، ويمكن أن يزداد ويتفاقم. ذلك أنه إذا ما مُني ترامب بخسارة كبيرة في مجلس النواب، فإنه يستطيع أن يحاجج بأن الانتخابات كانت مزيفة والنتائج مزورة. ومثل هذا السلوك من شأنه أن يطلق سلسلة من التحقيقات من قبل مجلس نواب يسيطر عليه الديمقراطيون في الكثير من الأنشطة التي قامت بها الإدارة الحالية خلال عاميها الأولين. وتحت هذه الظروف، يمكن أن تستمر الخطابات النارية وأعمال العنف الممكنة لتُغرق البلاد في أزمة أعمق بسبب قيادتها تحديداً في الوقت الذي يتمتع فيه الاقتصاد بصحة جيدة وتوجد فيه البطالة في أدنى مستوياتها.
وخلاصة القول هي أن الشرخ داخل الولايات المتحدة بات اليوم أكثر خطورة من أي وقت مضى، والتطورات السياسية الموازية في أوروبا والبرازيل وغيرهما، لا تبشّر بالخير بخصوص ما يخبئه المستقبل.