لا فارق عندي كباحث عربي أحمل بين جوانحي ضميراً إنسانياً في إدانة المجرمين الذين يعتدون على المساجد أو الكنائس أو الكنُس.. بدافع العنصرية وكراهية الأديان الأخرى وأصحابها. من هنا فإني أدين الجريمة البشعة التي ارتكبها الأميركي روبرت باورز يوم السبت الماضي ضد المصلين اليهود في أحد المعابد بولاية بنسلفانيا، وقتل فيها أحد عشر مصلياً كان أصغرهم في العقد الخامس من العمر وأكبرهم سيدة مسنة عمرها 97 سنة.
هنا أسأل المثقفين الإسرائيليين من أصحاب الضمير الإنساني المنتمين لمعسكر السلام والمحزونين على ضحايا معبد بنسلفانيا: هل تختلف هذه الجريمة التي ارتكبها أميركي مسيحي أبيض في شيء من حيث الدافع العنصري عن المذبحة التي قام بها اليهودي باروخ جولدشتين في 15 فبراير 1994؟ لقد قاد جولدشتين مجموعة من المستوطنين إلى الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل، وفتحوا نيران رشاشاتهم على المصلين أثناء أدائهم صلاة الفجر، فقتلوا تسعة وعشرين مصلياً وجرحوا مائة وخمسين آخرين.
على المثقفين من أصحاب الضمير في العالم أياً كانت ديانتهم وأياً كانت قوميتهم وأياً كان لونهم.. أن يوحدوا أصواتهم وأن يرفعوها ضد أي جريمة من هذا النوع تقع في أي منطقة من مناطق العالم وألا يقعوا في فخ الانتقائية والتحيز.
إذا كنا نريد حقاً للسلام أن يتحقق بين أتباع الديانات على مستوى العالم من ناحية وبين الفلسطينيين والإسرائيليين من ناحية أخرى، فلابد من خلق ثقافة مشتركة للسلام نرسخها في وجدان كافة شعوب الأرض تكون عناصرها الرئيسية ثلاثة: العدل في حل المنازعات القومية، واحترام التنوع الديني، واحترام الإنسان وحقوقه بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الديني.
وإذا عدنا إلى التاريخ فسنجد أن معاداة السامية نشأت وتبلورت في أوروبا خلال العصور الوسطى، وراحت تنمو وتفرز ألوان الاضطهاد ضد اليهود، إلى أن وصل الأمر إلى حد ارتكاب مذابح جماعية ضدهم في روسيا وبلدان شرق أوروبا. ثم امتد الأمر إلى فرنسا في عام 1894عندما اتهم أحدُ الضباط الفرنسيين اليهود بالخيانة، وكان اسمه دريفوس، مما أجج مشاعر الكراهية ضد اليهود، إلى أن جاءت النازية بقيادة هتلر، لترتكب الهولوكوست وتنشئ أفران الغاز لإبادة اليهود في بلدان أوروبا التي سيطرت عليها.
بعد جريمة بنسلفانيا الأخيرة كتب مثقف يهودي بريطاني الأصل اسمه دافيد هوروفيتس، مقالا نشرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» تحت عنوان «الولايات المتحدة تحتاج إلى مبدأ محبة الجيران»، قال فيه إن يهود إنجلترا الذين يزيد عددهم على ربع مليون يواجهون عداءً يتزايد، فيما يبدو أن يهود الولايات المتحدة الذين يبلغ عددهم ستة ملايين هم بكل وضوح في خطر أكبر. إنه يشعر بظلم بسبب الاضطهاد والمشاعر المعادية التي يلمسها ضد اليهود في إنجلترا والولايات المتحدة. كم تمنيت كباحث عربي أن ينتبه هذا المثقف اليهودي البريطاني، والذي يبدو أنه هاجر إلى الولايات المتحدة، إلى الوجه الآخر من الاضطهاد والمعاناة التي تنزل بالشعب العربي في فلسطين على أيدي اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي ينكر على الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير والاستقلال وإقامة دولته المستقلة في الضفة وغزة ليعيش بسلام بجوار إسرائيل. كم تمنيت أن ينتبه هذا المثقف اليهودي البريطاني إلى أن معاناة اليهود في أوروبا والولايات المتحدة لا تبرر لهم إنزال الاضطهاد والقمع والاحتلال بالشعب الفلسطيني. إن إسرائيل هي الأخرى، يا مستر هوروفيثس، تحتاج نصيحتك التي وجهتها للولايات المتحدة بتبني مبدأ محبة الجيران.