تُواجه الجزائر هذه الأيام نوعاً من التّخبّط السياسي على جميع الصُّعُد، ويبدو أن هناك قوى فاعلة تدفعها بقصد نحو انفجار سياسي واجتماعي، ولأن العالم مُنْشغل بقضايا أخرى أهم، فقد أسهم ذلك في نسيانها إلى حين، غير أن هذا لن يُعمّر طويلاً، لأنه يتعلَّق بمصالح الدول الأجنبية والشركات العالمية، والاعتقاد السائد اليوم بأن المسؤولين على جميع المستويات فيها وما أكثرهم سادة أنفسهم، هو ضرب من الوهم، ليس فقط لعجزهم عن الالتزام بالقانون أو الاحتكام إليه، وإنما لسبب أهم، وهو تَفشِّي ظاهرة «التنمّر السياسي» إن جاز التعبير على حساب الدولة والشعب.
وعلى نحو واضح، ومَقِيت، تطورت الرداءة السياسية، وتحولت إلى عدد من الأزمات، وأشكال عدة من الفساد، قادت البلاد نحو صراعات ظاهرها رفض الفساد، وباطنها تصفيات حسابات خاصة بمراكز القوى، تابعناها الأيام الماضية في محاكمة بعض الجنرالات، ضمن تقييم المؤسسة العسكرية الجزائرية لنفسها، وعلى الرغم ما يحمله ذلك من مخاطر تضرب مصداقية الجيش لدى الشعب، إلا أنها تَشِي بتغير منتظر، وربما يكون واسعاً في كل مؤسسات الدولة، ليس فقط لإجراء انتخابات رئاسية تُنْهي الحديث الدائر عن عهدة خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، باعتباره مرشح «جبهة التحرير الوطني» كما صرح أمينها العام جمال ولد عباس، وإنما لتصحيح المسار الخاطئ الذي سلكته البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة.
على العموم، يُخيِّم على الجزائر هذه الأيام أجواء أزمة كبيرة مماثلة لتلك التي عاشتها منذ 26 سنة وأقصد بها إقصاء رئيس البرلمان الجزائري«السعيد بوحجة» لمواقف سياسية متناقضة بل ومعتدية على حقه الدستوري نتيجة لصراع داخل حزب «جبهة التحرير الوطني»، الذي ينتمي إليه، وقد تم ذلك بالقوة في البداية بوضع سلاسل على أبواب المجلس الشعبي الوطني، وانتهى بتنصيب رئيس جديد للبرلمان، وبقدر ما يحمل هذا من رسالة سلبية جداً للمواطنين، بقدر ما سينعكس ذالك على سلوكهم في التعامل مع المجالس المنتخبة، ويهدد الدولة بمستقبل قد يكون دموياًّ، كالذي عاشته في العشريّة السوداء، حين بدأ الاعتداء والتدمير لكل مؤسسات الدولة ورموزها، لينتهي الأمر إلى ترهيب المجتمع الجزائري كله.
من ناحية أخرى، فإن أعضاء البرلمان الجزائري، لم يتمردوا فقط على رئيسهم، من خلال إعلانهم عن شغور منصب رئيس البرلمان، ومن ثمَّ تنصيب رئيس جديد، ولكن على القانون أيضاً مع أنهم مطالبون بحمايته لذلك يرى بعض المراقبين في الجزائر أنه كان من الضروري عرض الأمر على المجلس الدستوري أو مجلس الأمة، وهذا أمر غير ممكن، لأن المَجْلسِيْن غير مُخْتصَّين بهذا النوع من القضايا، والأمر هنا يتعلق بقوانين برلمانية وهي ليست قوانين إدارية، والحل في نظر المختصين يأتي عن طريق حل البرلمان، وتنظيم انتخابات تشريعية، أي الاحتكام إلى الشعب، وهذا بيد رئيس الجمهورية.
ورغم ذلك كله، فهناك من يعتبر ما يحدث في الجزائر نوعاً من الممارسة الديمقراطية التي ستؤدي إلى التغيير لا محالة، ولا شك أن هذا التحليل يستند إلى الوضع العربي العام، وهو رأي يحاول التخفيف من هول التغيرات الحاصلة هناك، يبقى أن وضع سلاسل على أبواب البرلمان لمنع رئيسه من الدخول الأيام الماضية، لا تقل في رمزيتها على وضع سياج على النوافذ والأبواب، خوفاً من الجماعات الإرهابية في سنوات الدم.. إنها قبل ذلك وبعده سلاسل وضعت داخل الأفئدة أوَّلاً، ثم ظهرت في العمل السياسي.. فمن يحمي الجزائريين منها؟!.