يعتبر نهرا «الغانج» و«اليامونا» شرياني الحياة في الدولة الهندية. لذا، وأثناء الحملة الانتخابية في عام 2014، رفع حزب «بهاراتيا جاناتا»، إلى جانب الشعارات الأخرى في حملته، شعار «نظفوا الغانج»، بهدف جذب أغلبية الناخبين الهندوس. وعندما تولى ناريندرا مودي السلطة كرئيس لوزراء الهند، تعهد بجعل نظافة نهر «الغانج» أولوية لحكومته.
ورغم ذلك، وبعد مرور أربعة أعوام من ولايتها، لم تفعل الحكومة الهندية سوى النزر اليسير لتحقيق شعار «تنظيف النهر الملوث» في دولة تعاني بالفعل مواردها المائية من تهديد غير يسير. ويجري هذا النهر عبر 50 مدينة رئيسية في الهند، وله أهمية دينية وثقافية كبيرة بالنسبة للهندوس. وفي كل يوم، يستحم آلاف المؤمنين في «الغانج» في طقس ديني، يعتقدون أنه يخلصهم من آثامهم.
وعلاوة على تقديس الهندوس لـ«الغانج»، فإن روافده المتعددة توفر مياه الشرب والري لنحو 40 في المئة من سكان البلاد. كما أن حرق جثث الموتى على ضفافه ونثر رمادهم في مياه، يعتبر من الطقوس والممارسات المقدسة. لذا أصبح «الغانج» واحداً من أكثر الأنهار تلوثاً في العالم.
وقد بدأت جهود تنظيف النهر منذ عام 1985، وسعت حكومة مودي إلى الحصول على مساعدة عدد من الدول، من بينها سنغافورة، لإنجاز شيء ما في هذا الخصوص. وأعادت الحكومة الهندية أيضاً تسمية «وزارة الموارد المائية» لتصبح «وزارة تنمية الأنهار وتجديد الغانج»، ونقلت الأعمال المرتبطة بشؤون «الغانج» كافة إلى تلك الوزارة، وخصصت ميزانية قدرها 200 مليار روبية، ووضعت جدولاً زمنياً يمتد إلى عام 2020 لتنظيف هذا النهر. وتؤكد الحكومة أن الجهود مستمرة لإنشاء محطات معالجة الصرف والرقابة على المخلّفات الصناعية، وهو أمر سيكون له تأثير كبير على نظافة هذا الرافد المائي المهم.
غير أن نشطاء البيئة يقولون إنه على رغم من الوعود البراقة من جانب حكومة مودي، فإن شيئاً لم يتغير، وما يزال نهرا «الغانج» و«اليامونا» ملوثين بشدة. ويطالبون الحكومة بوقف جميع مشاريع الطاقة قيد الإنشاء على روافد النهرين، وسنّ قانون لحمايتهما، ووقف جميع أشكال التعدين على ضفاف النهرين.
ولا تزال تتدفق ملايين الأطنان من المخلفات الصناعية ومياه الصرف من مئات القرى والمدن إلى نهر «الغانج»، إضافة إلى المشكلات الأخرى مثل أنشطة تعدين الرمال غير المستدامة، والأسمدة، والمبيدات الحشرية والمخلفات الصلبة التي تُلقى في النهر، بحسب نشطاء البيئة. وتوصل استطلاع للرأي أُجري مؤخراً إلى أن نحو 70 في المئة من التلوث يرجع إلى مياه الصرف، و20 في المئة هي نتيجة للمخلفات الصناعية التي يتم إلقاؤها في النهرين.
لذا، فإن الإخفاق في تنظيف نهر «الغانج» هو عقبة أمام حكومة مودي في وقت تشهد فيه الموارد الهندية تهديدات بالفعل. فكثير من المدن الهندية تعاني نقصاً في إمدادات المياه، وهو أمر تزداد وطأته بفعل عدم وجود طريقة مستدامة للحفاظ على أنهار مثل «الغانج» و«اليامونا» ومصادر المياه الأخرى كالمياه الجوفية.
وأضحت المياه نادرة بالفعل في كثير من أنحاء البلاد، وخصوصاً في جنوبها، إذ تعاني مصادر المياه من ضغوط الزراعة، وزيادة الرقعة العمرانية، والنمو الصناعي.. على خلفية وتيرة النمو الاقتصادي السريع.
وتتضاءل مستويات المياه الجوفية بسبب الإفراط في الاستخدام، مع وجود مخاوف من أن يؤدي التغير المناخي إلى التأثير على الكتل الجليدية والأنهار التي تغذي الأنهار، والتي تعتبر شريان الحياة بالنسبة للهند. ويشير أحد التقديرات إلى أن إمدادات المياه على مستوى الهند من الممكن أن تتراجع بنسبة 50 في المئة أمام الطلب بحلول عام 2030. لذا، فمن المنتظر حدوث أزمة مياه في أجزاء مختلفة من الهند، حيث تتضافر عوامل مثل سوء التخطيط، وتأثيرات مياه الصرف التي تتسرب عبر الأنابيب المتآكلة، والتوسع الاقتصادي وما يترتب عليه.. لتشكل ضغوطاً على موارد المياه.
وتعتمد إعادة تجديد المياه الجوفية وتحسين التدفقات إلى الأنهار على الأمطار الموسمية التي تغطي الهند بأسرها لبضعة أشهر سنوياً. وفي أجزاء مختلفة من الهند، بدأت موارد المياه الجوفية تنضب، إذ لم يعد أمام الناس خيار سوى استخراج المياه الجوفية للاستخدام اليومي. وفي بعض الحالات، يلجأ الناس إلى المياه الجوفية بسبب الخوف من الأمراض المعدية وغيرها، مثل شلل الأطفال، نتيجة تلوث إمدادات المياه بالصرف من الأنهار.
وعلى رغم من أن الهند لديها 4 في المئة من المياه العذبة في العالم، إلا أن لديها 17.5 في المئة من سكان العالم، بينما تعاني إمداداتها من المياه من ضغوط الزراعة والمد العمراني والنمو الصناعي.
وفي ظل تراجع إمدادات المياه، من الضروري تنظيف الأنهار الملوثة، لاسيما «الغانج» و«اليامونا»، وحماية المصادر الأخرى، قبل أن تواجه الهند أزمة مياه أشد فداحة.