أحياناً عندما ينطق الرئيس دونالد ترامب بشيء مناف للحقيقة، تقول في نفسك: «إنني واثق من أن أنصاره سيصدّقون ذلك ببساطة». لكن في أحيان أخرى، تجد نفسك تتساءل: «أليس ذلك جد مناف للعقل حتى يصدقوه؟».
إن كل ما لا يعجب ترامب إنما هو بسبب الديمقراطيين، فهل يعتقد حقاً بأن هذا كلام معقول سيُقنع الناس؟ لا أقصد الفكرة العامة، فكرة أنك إذا كنت معجباً بترامب، فعليك أن تغضب من الديمقراطيين. بل أعني فكرة أنه عندما تأتي مجموعة من المهاجرين إلى الولايات المتحدة طالبة اللجوء، مثلا، فإن ذلك خطأ ينبغي أن يتحمل مسؤوليته الديمقراطيون، ولولا مماطلتهم وعدم تعاونهم لكان ترامب قد حل هذه المشكلة!
والسبب هو أن الجمهوريين، مثلما قد تعلمون أو لا تعلمون، يسيطرون على كل مراكز السلطة في واشنطن. فهم يسيطرون على البيت الأبيض، وعلى مجلس النواب، وعلى مجلس الشيوخ، ولديهم المحاكم.. وبالتالي، فكيف تمكن الديمقراطيون، على الرغم من افتقارهم الكلي للسلطة، من وقف ترامب ومنعه من تطبيق مخططه الرائع للهجرة؟
الجواب هو أنهم لم يتمكنوا. فسبب عدم توقيع ترامب تشريع الهجرة، هو أنه لم يستطع إقناع الجمهوريين أنفسهم بالموافقة على مجموعة من الإصلاحات. ومثلما أشار إلى ذلك زميلي جريج سارجنت الأسبوع الماضي، فإن الحزمة الكبيرة من التدابير «الصارمة» التي يريدها ترامب لحل «مشكلة الهجرة» (جدار حدودي، تقليص كبير للهجرة القانونية)، لم تجد ما يكفي من الدعم الجمهوري لعبور الكونجرس. فهو لم يستطع حتى إقناع الجمهوريين بالموافقة على تمويل جدار حدودي، وهو الوعد المركزي لحملته الانتخابية الرئاسية.
والواقع أنه كان من الواضح دائماً أن ترامب يحب أن ينسب إليه الفضل في كل شيء جيد، سواء أكانت له علاقة به أم لا، وتحميل الآخرين مسؤولية أي شيء سيئ حتى عندما يكون ذلك بسببه إلى حد كبير. ولا شك أنه سيكون من المسلي رؤيته يتنصل من المسؤولية في حال سيطر الديمقراطيون على مجلس النواب في الانتخابات النصفية. لكن مشكلة الحكومة الموحدة هو أنها تجعل من الصعب حقاً القول بأن الأشخاص الذين يشغلون مناصب المسؤولية عاجزون وأن الأشخاص الذين لا سلطة لهم هم من يديرون العرض ويتحكمون فيه.
ولا يخفى عليكم لماذا جعل ترامب من هذه المجموعة من المهاجرين الذين يتوجهون ببطء شمالا مشكلةً. فمثلما أفادت صحيفة «واشنطن بوست»، فإنه «مازال يَعتبر الهجرة ورقةً رابحةً سياسياً الشهر المقبل للمساعدة على حشد وتعبئة قاعدته الانتخابية للانتخابات النصفية». وذلك لأسباب وجيهة. فعلى كل حال، فإن معاداته الغاضبة للأجانب هي ما ميّزه عن بقية المرشحين الرئاسيين في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في عام 2016، وساعده على تعبئة ما يكفي من الناخبين البيض للذهاب إلى مكاتب الاقتراع من أجل انتخابه.
والأمل هو أن تدفع التحذيراتُ القاتمة من «الأجانب القادمين لقتلك وأسرتك» الأشخاصَ الغاضبين والخائفين بما يكفي للذهاب إلى مكاتب الاقتراع، حيث يقول ترامب في تصريحاته بأن هذه القافلة مليئة بالمجرمين والإرهابيين!
لكن لما كان الجمهوريون هم من يديرون الحكومة، فهناك دائماً خطر أن يقول الناخبون: «مهلا، إذا كانت هذا مشكلة كبيرة، فلماذا لم تقوموا بحلها؟». وهذا ما يحاول ترامب تجنبه من خلال قوله صراحة إن الديمقراطيين هم من يتحمّلون المسؤولية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»