في العام الدراسي 1976-1977، كانت جامعة العين آنذاك الصورة الإعلامية الحقيقية للإمارات في الداخل والخارج. لم يمر وقت طويل على نشأة الدولة الاتحادية حتى أدرك الوالد الباني الشيخ زايد، طيب الله ثراه، والذي صافحت أيادينا قلبه قبل كفيه، بأن أبناءه في هذه الجامعة الفتية هم الذين يبنون الصورة المشرقة للدولة الناشئة.
أدرك زايد، طيب الله ثراه، مبكراً بأن المواطن الإماراتي هو بيت القصيد في نشر صورة الإمارات، الدولة التي أبهرت العالم العربي والإسلامي، لأنها خرجت من رحم القبلية إلى الحداثة والعالمية منذ اليوم الأول. فقام زايد، طيب الله ثراه، بإرسال الدفعة الأولى من طلبة الجامعة الناشئة إلى مختلف دول العالم، وكنت في المجموعة التي سافرت إلى هولندا وبلجيكا للاستفادة عملياً من التطورات العلمية والتقنية والإدارية في هذه الدول.
وفي الفسحات بين الزيارات الميدانية للجامعات وبعض الشركات المشهورة في مجال الصناعات الثقيلة، وكذلك إلى الحقول التي تنتج الألبان الطازجة والأجبان الطرية التقليدية.. كنا نعرِّج على بعض المحلات في الأسواق، وكان السؤال الذي يلاحقنا دائماً: من أي بلاد أنتم؟! وكأننا كائنات جاءت من كوكب آخر! كنا نرد ببساطة وبسلاسة وسلامة فطرة أهل الصحراء في صفائها ونقائها: نحن من الإمارات. فكان رد الطرف الآخر: نعم، نعم أنتم من بلد يستخدم أهله النفط في غسل الأطباق بأنابيب البترول في منازلهم! هذه الصورة المغلوطة لم يمحها إلا ردودنا عليها مباشرة، ومن غير رتوش ولا مجاملة. فقد كانت صورة الإمارات لدى البعض في الخارج هي أن الناس فيها يعرفون ركوب الدواب فحسب وليس المركبات! وقد بذل الطلبة الذين تلقوا تعليمهم في تلك البلدان جهوداً مضنية لتغيير الصورة النمطية حول المجتمع الإماراتي هناك.
ابتعاث الطلبة كان في صميم الفكرة التي أبدعها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، لزرع صورة الإمارات المنطلقة نحو المستقبل بقوة الحاضر وصلابة الماضي.
والجميل في منتدى «الاتحاد» الثالث عشر، والذي انعقد الأربعاء الماضي حول «صورة الإمارات في الإعلام»، أنه يأتي بعد عقود مرت على ظهور فكر زايد، طيب الله ثراه، وكونه جسد ذات الفكر الممتد في عمق فكر «بوخالد» الذي كثيراً ما أشار إلى أن المواطن هو أهم إعلامي متحرك، خاصة عندما يمثل دور السفير الحقيقي في جميع تصرفاته التي تنسب إلى دولته وليس إلى شخصه. فهذا ما وجّه به أجيال المستقبل الذين التقى بهم، فأحيا بذلك فكر الوالد الباني في فكر الولد البار بمنهج زايد رحمه الله، فنقل ذاك التراث الفكري الثري إلى جيل المستقبل لأن الشباب هم الرعاة الحقيقيون لاستدامة هذا الفكر النير في عقول ونفوس وعروق أجيال الإماراتيين. وقد جعل صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ثقته في الشباب وحمّلهم هذه المسؤولية الجمة عبر توجيهه الناعم: «كلكم راع».
نتاج تلك الجهود، وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على انطلاق دولة الإمارات إلى آفاق العالم والعالمية، هي ما يتجسد اليوم في مشاريع خلاقة كبرى تواكب أرقى دول العالم تقدماً، فلا يمر يوم إلا والتقارير تتحدث عن أرقام قياسية تحطمها دولة الإمارات في كافة المجالات التنموية والتطويرية، حتى جاء الوقت لتعلن هذه التقارير مؤخراً عن سباق عالمي تنافس فيه الدولة لكي تصل إلى المرتبة الخامسة على مستوى حكومات العالم أجمعه في عام 2030، وهو أمر مدرج في ثنايا الخطط المستقبلية للدولة.
لم يكن الفارق الزمني كبيراً بين ساعة النشأة ولحظة التمكين والاستدامة، لذلك نجد أن عيون الإعلام في العالم كله تتجه إلى النموذج التنموي الفريد لدولة الإمارات وقد اختصرت القرون في سنوات معدودات. ولا شك أن تجربة كهذه تحتاج إلى إعلام بشري متحرك في كل مكان من العالم الواسع، لاسيما في مواجهة مَن يسعون إلى بث سموم التشكيك فيما تحقق في الإمارات ولها، داخلياً وخارجياً، رغم أن شهادة التقارير الدولية وإشادات الإعلام الخارجي.. تمثل وساماً على صدر هذه التجربة الباهرة يصعب الطعن في مصداقيته.