قبل بضع سنوات، كان يبدو كما لو أن لا شيء سيوقف صعود البرازيل. فهذا البلد الغني والحيوي كان يتوافر على زراعة مزدهرة، وقاعدة صناعية صلبة، وموارد طبيعية غنية، من بينها النفط. رئيس البلاد وقتئذ، لويس إينياسيو لولا داسيلفا الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في الداخل، كانت لديه شعبية كبيرة في الخارج أيضاً. فهذا العامل السابق الذي لم يتعلم القراءة والكتابة إلا عندما كبُر، نجح في إنشاء برنامج ناجح لمكافحة الجوع، وانعدام العدالة الاجتماعية في بلاده. كما سعى إلى تلميع صورة البرازيل على الساحة العالمية من خلال تطوير دبلوماسية نشطة، وعرف كيف يتصدى لجورج بوش الابن، لكن دون الدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة. كما وجّه «لولا» دبلوماسية بلاده نحو أفريقيا، حيث فتح فيها عدداً من السفارات المهمة (17 سفارة)، كما توجَّه نحو الشرق الأوسط أيضاً.
ولكن اليوم، يبدو حال البرازيل سيئاً، ذلك أنها لم تعد موجودة على الساحة الدولية تقريباً. وعلاوة على ذلك، فإن «لولا»، الذي كان يُعتبر المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية لعام 2018، يوجد الآن في السجن، فيما مرشح اليمين المتطرف جايير بولسونارو هو المرشح الأوفر حظاً اليوم للفوز بهذه الانتخابات. لكن كيف وصلت البرازيل إلى هذا الوضع؟
الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بالبلاد منذ 2014، تبدو أحد الأسباب الرئيسة، وعلاوة على ذلك، فإن افتقار ديلما روسيف التي خلفت «لولا»، للشرعية والكاريزما، ساهم في الوضع الحالي بشكل كبير أيضاً، وفضلاً عن ذلك، فإن الفساد الذي طال «حزبَ العمال»، (وهو حزب «لولا» نفسه) طال البلاد أيضاً، وإنْ كان خَلَف روسيف، ميشال تامر، أكثر فساداً بكثير من معظم قادة الحزب الآخرين. وعلى الرغم من مهارته السياسية، فإن «لولا» لم يستطع إصلاح النظام السياسي البرازيلي الذي يعاني الانقسام والتشرذم بنحو ثلاثين حزباً، ما يعقّد العملية التشريعية، وذلك لأن ثمة دائماً حاجة إلى المفاوضات، ما يفضي إلى قرارات ليست صائبة على الدوام.
بولسونارو يخوض حملة انتخابية تتمحور حول رفض الفساد ومكافحة العنف. ففي البرازيل، هناك نحو 60 ألف حادث قتل عنيف كل سنة، والأشخاص الذين يحنون إلى الدكتاتورية البرازيلية القديمة يؤكدون أن مثل هذا المستوى من العنف لم يكن موجوداً في ذلك العهد، لكن بولسونارو نفسه مرشحٌ عنيفٌ، لاسيما تجاه النساء والسود والمثليين. وبالتالي، فمن غير المؤكد كلياً أنه سيعمل على تهدئة المجتمع البرازيلي حال فوزه.
غير أن برنامجه في مجال السياسة الخارجية بشكل خاص هو الذي يمكن أن يكون مكلِّفاً جداً. ذلك أنه إذا كان بولسونارو كثيراً ما يشبَّه بدونالد ترامب، فإن تشابهه أكبر مع الرئيس الفلبيني رودريجو دوتيرتي، سواء من حيث سلوكه، أو مقارباته العامة.
وإذا كانت أميركا اللاتينية معتادة تاريخياً على الانقلابات العسكرية، فإن انقلاباً قضائياً هو الذي زج بالرئيس السابق في السجن، كما يرى أنصار «لولا». ولو استطاع هذا الأخير الترشح للانتخابات، لفاز بها. واليوم، هناك احتمال ضئيل لفوز حزب العمال في الانتخابات، كما أنه من المرجح أن تخسر البرازيل رأسمال التعاطف الذي كانت تتمتع به دولياً، وذلك لأنها من خلال اصطفافها في صف الولايات المتحدة، ستفقد خصوصيتها إزاء بلدان أميركا اللاتينية الأخرى.
وفي غضون ذلك، يمكن القول إن المكسيك ستسجّل نقاطاً مهمة ضمن جهودها من أجل الزعامة الإقليمية. فالرئيس المنتخَب أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، الذي سيتم تنصيبه في ديسمبر المقبل، يمثّل هذا البديل الجديد، ليس بديل مواجهة مع الولايات المتحدة (فالمكسيك ترسل 80 في المئة من إجمالي صادراتها إلى جارها الشمالي)، وإنما بديل تأكيد الذات: أي الوقوف في وجه القوة الأميركية، من دون قبول كل مطالب دونالد ترامب، تماماً مثلما لم يقبل «لولا» كل مطالب جورج دبليو. بوش.
وعموماً فإن البرازيل تواجه خطر أن تصبح ذات إشعاع أقل، وأن تمارس دبلوماسية خافتة، وأن تجد نفسها عالقة في قضايا داخلية. والواقع أن أي شيء من ذلك لم يحدث بعد، وربما يحدث تحول أو تعبئة تسمح لمرشح «حزب العمال»، فيرناندو حداد، بالفوز، على الرغم من أن النتيجة التي حصل عليها بولسونارو في الجولة الأولى من الانتخابات تبعث على الاعتقاد بأن احتمالات انتخابه رئيساً للبلاد في 28 أكتوبر المقبل هي الأكبر، لكن الأمر يتعلق بفترة عابرة، بحركة، بمرحلة: فالبرازيل ستستيقظ يوماً ما، وستصبح مرة أخرى قوةً يمكن الاعتماد عليها.